سِيد الإسم محبوبى وكتين يبتسم ،الدنيا ياناس تِنقَسم ،الفرحه تملاها وتزغرد فيها والشوق يرتِسم
بعد أن تهدهدنا الموسيقي، علي وسادة ناعمة، بميلودي متميز، وما أن نبدأ بالحلم حتي يتداخل صوت المغني ليقدم لنا محبوبه، يسميه بعبارة (سيد الاسم)، عبارة من القوة بأن تقود مباشرة من التنكير الي العلمية، الحبيب لا يريد ان يبوح باسم محبوبه ، هذه الدلالة السطحية و لكن، العبارة تحجب بين طياتها افتراض الحبيب ان محبوبه معلوم للكل لا يحتاج تعريفاً ، هو علم في ذاته اذ انه ما ان يقول (سيد الاسم) ستنصرف مخيلة الجميع و ادراكهم لشخص محدد (هو محبوبه بالتحديد) ، هو خط موازي للغيرة مثلا ، الغيرة تحجب خلفها احساس ان المحبوب كقاعدة ثابت لابد ان يحبه الجميع لذلك يشكلون مهددا يثير الغيرة، القاعدة التي يخفيها المحبون هو ذاك الاحساس العميق بأن المحبوب(يفترض) ان يقع في حبه الجميع، لذا تأتي الغيرة كرد فعل دفاعي، و ربما هو ما اجبر الشاعر/المغني لأن يحجب اسم محبوبه، مع أني ارجح ان التأويل الاول هو الاصح، والذي يفترض انه لا يحتاج تعريفا اكثر من الاشارة اليه برمز. لا شئ يفوق تبسمه ، هي الصفة الثابتة علي مدار القصيدة/ الأغنية ، لا ينثر الخطاب مباشرة انما يرينا تأثير ابتسامة المحبوب ليس عليه فقط و انما علي الدنيا كلها، ماذا يحدث ؟ محبوبي وكتين يبتسم ، جيد ماذا يحدث؟ الدنيا يا ناس تنقسم.كيف تنقسم؟ وحتي نستوعب العبارة لابد من فتحها علي عبارة اخري و نربطها بالتقديم الاول (سيد الاسم ).. في العامية نستخدم عبارة (ان جابو اسمو الهوا بقسمه) ، ان ذهبنا لتفكيك هذه العبارة كمفردات بالتاكيد سنذهب في وجهة خاطئة ، لابد من أخذ العبارة باعتبارها وحدة الخطاب الأولية؛ التي تقود الي ان المحبوب من الرقة بمكان حتي أن مجرد الهوا سيصيبه بالاذي، او ربما الضرر هذا ان اعتمدنا مفردة الهواء بالالف الممدودة ، مدخل آخر أن الحبيب من القدسية بحيث ان تعريفه سيجعل ذكره مشاعا بين الناس مما يخل بهذه القدسية (لعل ذلك مبرر الشاعر لعدم ذكر اسم محبوبه او تعريفه بتفصيل أدق الا ان الشاهد يري ان اعتقاد الشاعر بكفاية ما ذكره من تفاصيل راسخة)، هذه العبارة تقربنا كثيرا من “تنقسم” الوارد كحال للدنيا و التي ستمتلي فرحة (نتاج تبسم المحبوب ) ليس مجرد امتلاء فقط و انما فرحة تزغرد ، معلوم ان الزغاريد هي علامة للفرح، عندما نزغرد يعني اننا في حالة فرح (بالرغم ان هناك مناسبات اخري للزغاريد كبث الحماسة) الا هنا اتي فعل الزغاريد من الفرحة ذاتها ، الفرحة سعيدة، الفرحة فَرِحة ، و يالها من ابتسامة ، ليس هذا فحسب و انما (الشوق يرتسم ) ، كيف يرتسم الشوق ؟ لم يقل (يترسم) اشارة لتبدي الشوق بشدة للمحبوب، و لكن اورد الفعل يرتسم و الذي ان قلت ارتسمت صورة فلان في ذهني يعني ذلك انها انطبعت و رسخت فيه , ان ارتسمت خطي فلان ، تبعته و سرت علي دربه ، ارتسمت الخطة ، سرت عليها و هنا في القصيدة/الاغنية ارتسم الشوق في كل الدنيا ، رسخ و انطبع و سار علي خطي الفرحة التي عمت الدنيا من ابتسام المحبوب و يا لها من ابتسامة و يا له من محبوب .
(مرات أقول أديهو كلمه تزعلو، حبة عذاب وكلام عتاب .. أنا عارفو مابِتحملو، علشان أشوف خدو الحرير الدمعه جاريه تِبللو، لكنى قُبال أبدا بى لحظات أقيف أتأملوا، الضحكه واللفته البتاخد من عيونى النوم شهور وتَجفِلوا، والبسمه والنظره الوديعه ودلو واشراقو الحلو، وأنسى العتــــــــــــــــاب الكنت ناوى أقولو، وأرجع منهزم….)
ولأن الحب ليس كلمات غزل محبوكة، ولانه ليس شجن و عذاب و شوق فحسب، الحب معايشة التفاصيل الصغيرة، التفهم الغير مشروح والانسجام الغير مشروط، ولأن التعبير عنه يتخذ كافة الأشكال الحياتية المتاحة؛ فان الحبيب هنا يعتزم أمرا لشئ في نفسه , سيسعي (لإغاظة) حبيبه بعتاب و قليل من التعذيب و جعلهم في حدهم الادني جدا(حبة)، هو بأي حال من الأحوال لن يتمادي الي درجة الإيذاء لانه يدرك أن تلك (الحبة) لن يحتملها محبوبه و ستدفعه للبكاء( هنا تتبدي المعرفة التامة بالحبيب من ناحية البناء النفسي) و لنا ان نسال انفسنا ؛ لِمَّ؟ و يبرر الشاعر/ المغني/ الاغنية، لكي يري تلك اللوحة التي سعي جلّ فناني الأرض لتصويرها منذ(مطر اللؤلؤ من النرجس و سقيا الورد و حتي تلك اللوحة الشهيرة للطفل الباكي ) جمال لا تحده حدود ، لوحة امتزاج تلك القطرات بالغة الصفاء بأرض خصبة الجمال ، مدهشة النعومة صقيلة اسيلة ، و يا له من جمال! تتبدي الرغبة في اظهاره و لكن ؛ لا يفل الجمال الا الجمال ! في لحظة التأمل و الاستعداد لتنفيذ مشروع اللوم يتبدي، جمال اشد و صورة أكثر بهاء و روعة من تلك التي يسعي الحبيب خلفها ، ضحكة و لفتة ، يبرزان كل كنوز الجمال المخبوء ، ضحكة و لفتة كفيلتان بحرمان الحبيب من النوم سنين عددا ، شوقا و لهفة للمحبوب، و لنا هنا ان نلاحظ استخدام الفعل (جفل) و الذي يحمل في معانيه و دلالاته الهروب مقرونا بالرهبة(الخلعة)و الاسراع، النوم يجفل مساعا للهروب من مراقد الحبيب ، ليس ذاك فحسب و انما الضحكة و اللفتة متضامنين مع نظرة وابتسامة ووداعة ودلال و اشراق و حلاوة ، اضافة الي تسهيد الحبيب تكفل بمحو ذاكرته مما كان يهم بفعله, حتي انا الان قد نسيت ما اود كتابته ، و يا له من محبوب و يا له من حب .
محبوب مثل هذا لن يسكن سوي في اغلي المساكن ( العيون) في مسكن (طوبة مودة – في اشارة صريحة للآية و جعلنا بينهم مودة ورحمة ، و طوبة امنية ) ولن تضمه سوي القلوب المبسوطة له مرحبة به وهي تفيض محبة و هناء ( فى العيون ببنيلو دارين من موده ومن منا، بضمه فى قليبى محبه فياضه وهنا)، و هنا يؤكد لنا الحبيب شئ آخر ، مبدأ العذرية ، ليست تلك العذرية السقيمة الواردة في أشعار القدامي ، ليست العذرية المتعلقة بالغريزة ، بالجنس ، كل حب بين(رجل و امرأة) لا يتضمن الغريزة هو حب سقيم لا يجدر به ان يسمي حبا ، الأهم هو ان يكون الحب غاية في ذاته، والغريزة احدي تفاصيله المهمة ، الفطرة هي من يقول ذلك و ليس لنا ان نغالطها، الا ان شاعرنا/مغنينا هنا يورد عذرية غاية في السمو هي عذرية القلوب ( ماردت غيره ولاهو راد زولا سواى ابدا انا)، قلوب لم يفض بكارتها حب سوي حبهما وعلي التأبيد ، لم يعرف قلباهما سواهما و يا لها من عذرية . يستمر الشاعر في زخرفة هذه الصورة البديعة بعدد من الصفات و الاوصاف التي يتغني بها في حق محبوبه لا تتعدي ما ذكر سابقا .
يختم بذلك المهرجان الذي اقامته الطبيعة؛ بعد ان ارتاح الليل من الشكوي و الهموم بزيارة الحبيب فنصب سرادق الاحتفال و شد الاوتاد علي النجوم و كان المغني هو القمر ، و لان من العيب عندنا ان تزور أحدهم (وايدك فاضية)، فان المحبوب يوم جانا و هو من لهفتنا و كانه يستخدم خطواتنا في الوصول، اهدانا الامل و الحب و السماح … يا له من حب و يا لها من قصيدة و يا لها من اغنية . اللغة الدارجة الحميمة نجحت تماما في نقل احساس غامر و صور غاية في الجمال و الوضوح ، و لنا ان نتأمل هذا التشبيه ( بسماتو لو شفتو البروق لحظة تشح ترشح سنا) و كيف ان العامية وظفت تعبير (لو شفتو) بديلا لاداة التشبيه الفصيحة مما منح اللوحة زخما و كثافة في الخطوط و قوة في الالوان .