Site icon المجرة برس

ذكريات من حلتنا (1) .. المغنية صاحبة الصوت الشجي .. ” أحمد التجاني ماهل”

حنية (هنية) أحمد خميس (أبو ختم)

كان العم والخال أحمد محمد خميس أبو ختم تاجرا في منطقة الظليل بدار المجانين او دار الريح بالعيادية ريفي المزروب، حيث يمتلك عدداً ضخماً من الأبقار يقدر عددها فوق نصف الالف. وبما ان الأبقار تحتاج إلى الماء كل يومين أو ثلاثة في عملية الشرب، أو ما يعرف بـ(الضماء) أي يوم ورود البهائم مورد المياه من مشرع أو منهل أو عد آبار أو آبار ارتوازية (دوانكي جمع دونكي)، انتقل العم أحمد أبو ختم من دار الريح الي دار الصعيد دار حمر، واستقر في منطقة الخوي نسبة لتوفر المياه والأعشاب لابقاره الكثيرة التي يصعب سقايتها في دار الريح مسقط راسه. وعند وصوله دار حمر ترك التجارة واهتهم برعى ابقاره. كان من رباعته اي ربعه كما تقول العرب، في المرحات جمع مراح وهي مكان استقرار أصحاب البهائم لأخذ الراحة لأوقات من نوم ومعيشة، وتسمى كذلك التوايا جمع تاية، والمعنى الآخر للمراح هو قطيع البهائم من إبل أو بقر أو غنم أو ماعز؛ عيال أخته أبناء عطية الله آدم الشهير بقريش السوق، وعيال حسب الله محمدين دليل، وعيال الفكي حسن عجب الدور، وعيال سلمان ود جمعه ابو محجورة، وعيال أحمد معلا، وعيال الفكي ماهل، وعيال طبعين، وكانت ابقارهم جميعا لا تعد، وذلك قبل سنين المرض (ابو دميع، الفحمية، ابو لسان، أم زقالة، والحمرة بضم الحاء، وأبو دادي وأبو قنيت وغيرها من أمراض البقر). فالعم احمد ابو ختم رجل فرح على الدوام، وكثيرا ما تجده يغني، فهو شاعر وحافظ لكثير من اشعار بادية كردفان، وخاصة الإبل:
الليلة البكار بالقران انشكن
مدن بدماس لامن حمارهن دكن
كان شافن الكرب الحجاره سككن
بقدلن قدلة الكانن حزانى وفكن
وعند ورود أبقاره الي المشرع أو الدونكي الكبير بالخوي تجده يغني بعد أن تعطن البقر في أحواض الماء فيقول:
شالن وسارن ودلن عربهن دامرة
معاهن بروربة ذي بت ام حقيبة الشامرة
عالي كفلها وتحت الفنايد ضامرة
سادل أدبس ديسها كيف رؤبة الزقي العامرة
ومن هذه الشاعرية والغناء الجميل نهلت وتشربت فنانتنا الجميلة، صاحبة الصوت العذب، الراحلة المقيمة حنية احمد خميس الشهيرة بهنية، التي تصدح بصوت عذب وجميل لا ينافس، وفي جمال ورقة وعذوبة صوتها دوما يتحدث الفنان عبد الرحمن عبد الله، ود بارا بلوم كردفان، نسأل الله له عاجل الشفاء، ويذكرها مع صديقتها صافي النية، ويقول ما أجمل أن تغني حنية وصافي النية، ووعد بأن يغني اغنية حنية وصافي النية.
تميزت هنية بغناء السيار والجرتق، بلغة أهل شمال كردفان والجردق بلغة أهل الصباح، بالإضافة إلى أغاني السهار “اليوم الذي يسبق حفلة حنة العريس”. وتزوجت هنية من علي صالح، من أهلنا الرياش من منطقة القوز تجاه الحمادي مركز نظارة الحوازمة، وأنجبت له ثلاث نجمات رائعات، نعيمة الانسانة الراقية، ومستورة العندليب الغريد صاحبة الصوت المتفرد، والأستاذة كلثوم الشهيرة بزرقة الفي البنات فرقة، كما يحلو لخالتي فائقة حمد موطي الشهيرة بفائقة حمد مطيرق الصمد، كما يردد ذلك السيد ماهل ابو مجاهد. وذات مرة مرَّ بحلتنا قمم الغناء السوداني محمد وردي، والطيب عبد الله، وحمد الريح، والتاج مصطفى، وأم بلينة السنوسي، وعبد الرحمن عبد الله، وعبد القادر سالم، والأمين عبد الغفار في رحلة إلى نيالا عبر باص سفنجة، ونزلوا بالموقف الكبير، وتجمع الناس وسألهم وردي عن المنطقة فقالوا له الخوي، وبصوت واحد سأل عدد من الفنانين هذه بلد حنية؟ فتعجب الحضور فقالت أم بلينة : هنية أحمد خميس؟ فرد فنان الخوي الأول الطاهر برار والشهير بالطاهر كاكوير هنية يا جماعة موجودة. وأرسلوا لها وحضرت، وسلم عليها كل الفنانين بشوق لدرجة البكاء، وطلب منها وردي ان تغني يا عديلة يا بيضاء أو حاجة من العديل والزين، فبدأت برمية وبصوتها الشجي العذب:
أهل الجميل الليلة مسكوا القودة
رحلوا ومدوا بأم فاطرن بريق الدودة
العين باكية والقلب فارق المريودة
والدار فارقت الجاهلة الوضيبها بقودة
يا نفسي ما تحزني وما تنعلي
في وكتن قريب من الصعيد تنقلي
كان للفرقة فارقتي ناس ام لهيجن يسلي
وأبهاتهن بكرموا الضيف قبال ما يدلي
وغنت وغنى معها الطيب عبد الله، وردد معها كل الفنانيين ككورس بصوت متفرد ومليان عذوبة. رحم الله الأخت هنية احمد خميس رحمة واسعة واسكنها فسيح جناته وبارك في بناتها واحفادها.
Exit mobile version