Site icon المجرة برس

ذكريات باقية من حلتنا (3) .. مهدي محمد مهدي (القذافي) .. “احمد التجاني ماهل”

كنا صغارا نلعب ونلهو بين شوارع البيوت وازقة الفريق’ والحلة تعج بأصوات ابقارها واغنامها وصهيل خيولها ونهيق حميرها ونباح كلابها وصياح ديوكها صباحا ومساء. وفي النهار وعند اشتداد الحرارة نتنقل بين ظلال اشجار النيم والهجليج الوارفة ورواكيب القصب بكل البيوت التي لا تعرف الفواصل بين السكان فكل الناس اهل بمختلف سحناتهم وتكويناتهم الاثنية`فالجيرة عند أهل حلتنا أعمق من الاجناس. واكثر الاماكن المحببة لنا في المقيل والاستظلال هي راكوبة العقيد قذافي (مهدي محمد مهدي) الكائن الذي تفيض منه الطرفة والفكاهة فهو رجل انيق يحب النظافة في شخصه ومسكنه وخاصة راكوبته التي تجاورها هجليجة مربط حمار والدته الخالة فاطمة حليوة عليها الرحمة والذي كان يمنحنا من خيرات الارض: النبق والصمغ والفول والتعاريف حمع تعريفة (خمس مليمات اي نصف القرش) وكانت التعريفة تحقق لنا شراء كوزين فول مدمس من الخالة الحاجة عائشة نونوا عليها الرحمة والمغفرة. والمهدي رجل متعدد الصنع Cross-Functional مزارع درجة اولى يزرع الفول السوداني والسمسم وعيش الدخن والعيش الابيض والعيش الاحمر والمعروف محليا ب(قدوم التيتل) يمتهن الزراعة في الخريف حتى الحصاد إذ يصاحب والدته الخالة حليوة إلى زرعها شرق الحلة وهي ممتطية حمارها وهو راجلا على قدميه والابتسامة دوما على محياه. وبعد فترة الحصاد ويتحسن الحال المادي للناس يتحول العقيد من مزارعا إلى مهنته التي برع فيها وهي البناء وتزويغ وتزبيل بيوت الطين. وفي الامسيات يشكل مع بعض رفاقه من ابناء الفريق دوريات شخصية Personal Patrols لتأمين الفريق من زوار الليل، حيث كان هذا الفريق عصيا على الشباب الذين يجوبون المنطقة ليلا للسمر والتمتع بالحفلات. وظل العقيد من ابناء الفريق الاوفياء واصحاب الشهامة والنخوة وبطبعه الهادي حتى توفيت والدته الخالة حليوة عليها الرحمة والمغفرة والرضوان، فهاجر إلى الخارج بحثا عن الرزق والعيش الكريم بعد أن تغير النظام الديمقراطي بالنظام الشمولي الكيزاني الفاسد الذي ضيق على الناس في معاشهم. وعاد العقيد من اغترابه وعاش وسط اهله وبذات الحيوية والهدوء والطبع الجميل والطرفة والفكاهة حتى وافته المنية . رحم الله الاخ مهدي محمد مهدي (العقيد قذافي) رحمة واسعة واسكنه فسيح الجنان ونسأل الله ان يبارك في اولاده وبناته.

Exit mobile version