من المجرة :هذه المادة الصحافية كاملة الدسم هي نتاج خبرة وتجربة والكثير من الوفاء يسكبه الزميل الشفيف امير الشعراني بين دفتي سيدة الحكي السوداني صحيفة حكايات والتي اقسم بالله أنني ترقبت اوبتها وسألت عن اخبارها وسعدت بعودتها للصدور كأني املك 51%من اسهمها ولا ينبغي لي ……اخص قراء المجرة بهذه المادة الراقية للزميل امير الشعراني دون ان استأذنه لسببين الاول انه لن يرفض طلبا لزميل والثاني والله لو طلب مني وزنها ذهبا (؟؟؟؟؟؟) لما رفضت …….وهي لا توزن بمال
شكرا مقدما اخي امير وشكري إلى صديقي الأمير وجدي الكردي والى طاقم حكايات المتميز.
الإعلامي الأشهر في قضروف سعد
عــــــمّ عركي يكــــــفّ عـــــن
(تحميض) الحياة!
تقرير – أمير الشعراني
رجل مثل العم عركى، كان لابدّ أن تشدّ له الرحال، لتنهل من رحيق تجربته الاعلامية الرائدة، وعبير حياته الاجتماعية السمحة في قضروف سعد. لم نجد صعوبة فى البحث عن بيت عمّ عركى أوالدخول اليه. البيت عبارة عن قطية تفوح منها روائح الحب والوئام والإلفة. يعرفها الصغير والكبير، حتى الغُرباء ممّن يتشابه عليهم بقر البيوت.
أحمد محمد البشير عركى. الأب الشرعى لتلفزيون القضارف. يكسو وجهه الوقار والتقوى وحيوية الشباب، رغم زواجه مثنى وثلاث وربما التعدّد هو الذي زاد شباباً ونضارة!
والد عركي الأب، كان أول من حمل جهاز تسجيل (ترانزيستور) في القضارف ليسجل به خُطب الأعياد من ميدان الحرية وسط السوق، ومن يومها انخرطت الأسرة كلها في سلك الإعلام. ونبغت وذاعت شهرتها.
ها قد مات عركي. أسلم الرجل الروح بعد أكثر من (60) سنة قضاها في خدمة الإعلام والتنوير في القضارف. مات بعد أن ترك رصيداً هائلاً من الصور الثابتة والمتحركة والراسخة في قلوب الناس.
حكايات، تعيد نشر حوار أجرته معه. قال فيها بعض كلماته، قبل أن يرحل.
« مسيرة طويلة لعمّ عركي (الأب)، بدأت بالتصوير الفوتغرافى منذ منتصف القرن الماضى، عندما كانت القضارف تمدّ الخرطوم بالصُور ويقول عن ذلك: «زمان كنّا بنغذى الخرطوم بالصُور. صاحبي الخزين الله يرحمو يضرب لى: «دايرين صُور لي جكسا وصُور لصلاح بن البادية»، وأنا أرسل من هنا.
حين نطق العمّ عركى، اسم الخزين، صمت عن الحديث مُترحماُ عليه، ثم سألنا عن أبنائه وأين هم الآن. حتى كاد الدمع أن يفضحه وهو يقول عنه: «تعرف يا ولدى، الخزين كان بيمسك بالصورة ويقول ليك دا تصوير عركى. دا تصوير غندور. دا تصوير النيل الأزرق”.
« من الطرائف، أن عم عركى التقط صورة فوتوغرافية للمشير جعفر نميرى. ووضعها في اطار الجنيه السوداني. حين قدّمها له في مبنى قيادة الجيش بالقضارف، قال له نميرى: «الصورة دي جميلة، لكن تاني ما تكرّرا”.
« لم تمض سنوات، حتى أحضر أبناء عركى الجنيه ــ أبو عمّة ــ لوالدهم وهم يقولون: «شوف زولك، قال ليك ما تكررا وعملا براهو”!
يقولون، إنّ الاذاعة دائماً تسبق التلفاز. ولكن تلفزيون القضارف سبق إذاعتها بسنوات. يرجع الفضل فى ذلك، إلى عمّ عركى. فى يوم الخميس، الخامس من نوفبر فى العام 1987 كانت بداية تلفزيون القضارف من داخل استيدو عركي وسط السوق، بطاقم عمل مكوّن من أبناء عم عركي: (عبده، محمد، عركي الابن، خالد وكامل)، وبمباركة محافظ القضارف وقتها، علي محمد أحمد مُقيت. استمرت شاشة القضارف تمد التلفزيون القومي برسالة أسبوعية، وبعدها أصبحت رسالتان، يومى الثلاثاء والخميس. ولأن عركي من الحافظين لحقوق الآخرين، كان يذكّرنا دائماً بأسرة (مايكرويف القضارف): معاوية التوم ونعمات الجزولى وحاردلوا عمر بلة، هؤلاء شدّوا أزر عركي وابنائه حتى أخرجوا لأهل السودان (صوت وصورة القضارف) من استديو عركي. كانت تتم كل عمليات المونتاج من داخل قطيّة عم عركى الشهيرة فى حى الجمهورية بالقضارف.
« ثلاثة نساء وتسع حبال. عبارة لافتة وصف بها عم عركي حالته الاجتماعية. يشرّحها للسائلين عن الحبال بقوله: «مش أي زوجة بعد تلاتة طلقات، بتكون حرمانه؟
أنا ما حصل رميت يمين طلاق ولا مرّة واحدة. وكدا عندي تسعة حبال، وبإذن الله ما حتنقص”.
سألناه إن كان ينوى الزواج مجدداً، فرد مبتسماً: وين مع المرا الرابعة دي؟!
والمرأة الرابعة للعمّ عركي، هي تلفزيون القضارف. كان أحد ولاة القضارف حين يزور عم عركي في منزله ولا يجده، يسأل ابنائه: أبوكم ما رجع من مرتو الرابعة؟!
« من أشهر وأحب أعمال عم عركي الوثائقية، فيلم (قطار الدعم)، بثّه تلفزيون السودان فى العام 1999 واشادت به رئاسة الجمهورية وقتها. يقول عركي عن هذا الفيلم: بدأ تصويره إبني عركى الصغير من مدينة كسلا التي تحرك منها القطار فى طريقة إلى قيسان وكانت منطقة حرب في ذلك الوقت. عند وصول القطار إلى القضارف، استقبله المحافظ العوض محمد الحسن، وقبل أن يواصل القطار مسيرته، شبّ صراع بين عم عركى وابنائه فى أيّهم سيكمل الفيلم ويصطحب القطار إلى قيسان، وبعد شد وجذب، حسم المحافظ الأمر، وأكمل عم عركي فيلم قطار الدعم الشهير، ونال وساماً من رئاسة الجمهورية.
« أبناء عمّ عركي لم يبتعدوا عن مهنة والدهم، وكذلك الأحفاد. الابن الأكبر (عبدو عركى)، مصوّر ومُخرج يعمل في أمريكا، ومعه (كامل) مخرج سينمائي. (ناريمان) حصلت على ماجستير الإعلام. (كاظم)، مصوّر بوزارة الزراعة. (الباقر) في إذاعة القضارف. (عمر)، مصوّر. و(مجدي) في التوجيه المعنوي. الفاتح، (اعلام الشرطة). دفع الله، (اعلام التأمين الصحي). ومن أحفاده (تامر)، بارع أيضاً في التصوير.
« سألت عمّ عركي عن ماجناه من مسيرته الطويلة. قال بصوت مليء باليقين:
ـــ الأولاد الناجحين، والحمد لله.
من أبناء عركي البارّين في الحقل الإعلامي، الطيب قسم السيد. كاد يبكي حين أخبرناه بأننا في طريقنا إلى عمّ عركي: قال: «أنصفته الله ينصفك». ثم أضاف: «أبونا عركى لم أجد مثله في الإلفة والتفاني ومحبة الآخرين، وعُشرته الجميلة مع الأشياء، حتى الجمادات. العربة التى يركب عليها الآن، وجدناها عنده من الثمانينيات”
« نقلت لعمّ عركي ما قاله الطيب قسم السيد. تبسّم فى سرور، وقال إن العربة التي يركب عليها الآن، اشتراها من الخرطوم بمبلغ وقدره (12) جنيهاً فقط. وللعربة حكاية: «بعد أن اشترى عركي سيارته بأيام في الخرطوم. اوقفته سيدة حسناء وقالت له، إنها صاحبة العربة. قال لها: «أنا اشتريتا بـ (12) جنيه. رّدت السيدة: «سماسرة أولاد الأيه، أدّوني حداشر جنيه بس”.
….
رحم الله عمّنا عركي. نعته القضارف أمس. وبكاه أحبابه من الإعلاميّين المنتشرين في الاذاعات والقنوات الفضائية داخل وخارج السودان.
أحرّ التعازي لأسرته وعارفي فضله.