تتماهى هذه الضوائق والأزمات المعيشية الخانقة جميعها المتمثلة في تذبذب انسياب الوقود والتلاعب في صرفه وشُح غاز الطبخ واختفاء الخبز والغش في أوزانه مع روزنامة الحياة اليومية وتنتفي حوجتها بمجرد توفرها وإغراق الأسواق بها وينصرف الناس لمطاردة مغنم أخر من مغانم الحياة، ورغم أن هذه الأزمات الطاحنة في السلع الأساسية ظلت جاثمة على صدور الغلابى سنين عددا وأرهقت كاهل المواطن بعد أن افتعل ضعاف النفوس أسواقا موازية ليتلاعبوا في قوت المواطن باحتكار الدقيق والغاز والوقود ويتصيدون الحصص من الشركات ويدّخرونها ويجففون السوق منها ثم يعرضونها في الأوقات العصيبة بأضعاف أثمانها وتقاعس الأجهزة التنفيذية في تفعيل أدوات الضبط والرقابة والملاحقة، رغم استفحال هذه المعضلات التي استعصت عن الحل والتسوية، إلا ان ذلك لا يوازي سيطرة هوامير الثراء الفاحش على سلعة كلفتها حياة الإنسان وهو الدواء، حيث يعمدون إلى تعطيل المستشفيات وتحويل مهنة الطب «الإنسانية» إلى كسب خاص بإنشاء المراكز الصحية التجارية ومجموعة الصيدليات القابضة وتحويل الدواء إلى سلعة باهظة الثمن وتسريبها إلى السوق السوداء.
مئات المرضى يتجرعون مرارة الألم والحسرة عندما يضطرون إلى مغادرة المشافي الحكومية لانعدام الرعاية الصحية ويجدون أنفسهم لا خيار لديهم إن أرادوا النجاة بحياتهم سوى طرق أبواب المراكز الصحية والمستوصفات الخاصة والاكتواء بنيران تعرفتها الباهظة التي يقتطعها المريض من دم قلبه قبل المرور بالوصفة الطبية إلى الصيدليات التي لا فرق بينها وبين «كناتين» السوق في الجشع والغلاء.
بربكم أين يذهب مرضى القلب والفشل الكلوي والسرطان والأمراض المستعصية يا من تدّعون أنكم رُسُل السلام وملائكة الله في الأرض بعد أن حولتم عياداتكم إلى دكاكين للبيع والمقاولات، هكذا سقطت الأقنعة واُمتهنت مهنة الطب الإنسانية ورسبت في امتحان الأخلاق.