بعثة الأمم المتحدة (اليوناميد) التي جثمت على بلادنا ردحاً من الزمان، وتم التمديد لها حتى نهاية ديسمبر 2020، بلغ عددها 26 ألف فرد عسكري ومدني. ورغم هذا العدد الكبير فإنها كانت تطلب حماية القوات المسلحة عندما تهاجمها الحركات المسلحة أو قطاع الطرق! لهذا فإنني غير منزعج من وجود عسكريين في هذه البعثة التي تم تمديد أجلها، أو من وجودهم في البعثة الجديدة (اليوناميتز) التي ستخلف هذه البعثة، ولكن خوفي من القوة الناعمة التي سوف يتم استخدامها من خلال هذه البعثة الجديدة لتحديد مسارات التنمية في السودان والتحكم في اقتصاده.
البعثة الأممية الجديدة (تحت التكوين) سوف يكون من بين أعضائها الفاعلين سفراء بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة بالخرطوم، فضلاً عن المبعوثين الخصوصيين لهذه الدول للسودان، وأكثر من ألف خبير وعنصر آخر ليس من بينهم سوداني واحد حتى الآن.
أما كيف ستعمل القوة الناعمة للتحكم في الاقتصاد السوداني، فيمكن تلخيصه من خلال الإشارة إلى أن خبراء البعثة سوف يشرفون إشرافاً كاملاً على توجيه التخطيط الاقتصادي في السودان، وتحديد المجالات أو المشروعات التي تقدم للمجتمع الدولي والمنظمات المالية الدولية لتمويلها.
سوف يكون الإطار العام لذلك هو (أهداف التنمية المستدامة) وهو ما سيكون متفقاً عليه من كل السودانيين، غير أن انسياب التمويل لهذه المشروعات سوف يكون مرتبطاً بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. والإزالة من هذه القائمة لن تتم إلا وفق قيود حددها (قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمحاسبة والشفافية لسنة 2020) الذي قدم مشروعه النائب انجيل في اجتماع الكونغرس رقم 116 في شهر مارس الماضي.
القيود المشار إليها تتضمن أن يقدم الرئيس الأمريكي شهادة للكونجرس تؤكد:-
1. المجلس السيادي يترأسه رئيس مدني في موعد لا يتجاوز مايو 2021
2. أن المجلس التشريعي للفترة الانتقالية تم تشكيله حسب مقتضيات الوثيقة الدستورية.
3. أن يقوم السودان بتنظيم انتخابات عامة يقر مراقبون دوليون أنها حرة نزيهة وشفافة.
4. أن يتم عمل الإصلاحات التي تحكم عمل قوات الأمن والقوات المسلحة.
5. أنه قد تم احترام حقوق الإنسان والحريات الدينية، وتأكيد اتباع الخطوات الدولية والمحلية لضمان عدم الإفلات من العقاب.
6. وضع جهاز المخابرات تحت إشراف الحكومة الانتقالية وتصفية شركاته الاستثمارية الداخلية والخارجية.
7. الامتناع عن القيام بهجمات تستهدف المجموعات الدينية أو العرقية.
8. السماح بوصول المساعدات الإنسانية لكل أجزاء السودان دون عوائق.
9. حماية النازحين والعودة الآمنة للاجئين.
10. التحقيق في تقارير التجنيد غير القانوني للأطفال.
إن تأكيد الرئيس الأمريكي للكونجرس وفاء الحكومة السودانية بالقيود أعلاه يمنحه الحق في منح مساعدات مباشرة من الولايات المتحدة للسودان، وأن يأمر موظفي الولايات المتحدة بالمنظمات المالية الدولية بالتصويت لصالح منح السودان المساعدات المالية، والتصويت كذلك لصالح تخفيف ديونه الخارجية.
بلا شك سوف تكون أحد أهم مصادر معلومات الإدارة الأمريكية هو تقارير (اليوناميتز) والتي يعتبر سفير الولايات المتحدة بالخرطوم ومبعوث أمريكا للسودان من عناصرها الأساسية.
وبما أن وجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب هو من أهم معيقات التنمية في السودان، وبما أن الولايات المتحدة هي صاحبة القوة التصويتية الأعلى في المنظمات المالية الدولية، التي تمنح القروض وتخفف الديون، فمن الواضح أن هذه البعثة هي التي سوف تحدد مسارات التنمية.
تكوين لجنة عليا سودانية للتعامل مع بعثة (اليومانيتز) لن يمنعها من رفع تقاريرها، خصوصاً أن هذه التقارير سوف تكون محاطة بالحصانة الدبلوماسية.
لا خوف على السودان من جنود الأمم المتحدة. الخوف من قوتها الناعمة التي سوف تتحكم في مجالات سيادية واقتصادية واضحة. ربنا يقي السودان وشعبه.
السوداني