وانا أتجول بين قروبات التواصل شدني في قروب ود بندا الحر وهو قروب يضم أبناء منطقة ودبندا…..شدني هذا السرد الرائع لقصيدة وقصة تبلدية فآثرت إن انقله لقراء المجرة خاصة وأنا أيضا لي قصة مع تلك التبلدية إذ زرتها لماما اعزيها في فقدها الجلل الذي فقدته بالرحيل عن مدينة الدلنج وفقدته البلاد في العام 2011ودفن في مقابر الصحافة .الا رحم الله الشاعر الكبير جعفر محمد عثمان خليل …
التبلدية التي ألهمت الشاعر جعفر محمد عثمان خليل
هو شاعر سوداني معاصر ولد بوادي حلفا،وتلقى تعليمه بمصر حتّى تخرّج في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة،ثمّ نال دبلوم التربية من جامعة عين شمس،وعمل بوزارة التربية حتّى وصل إلى منصب كبير رؤساء شعب اللغة العربية. أوفد إلى فرنسا فنال دبلوم تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها،وعُين مستشاراً ثقافياً لبلاده بالمغرب،وكان لثقافته العربية العالية وحسّه الفني المرهف أثر في تجويد صياغته،وأنْ يكون شاعراً مطبوعاً فجاء شعره سلس التعبير دقيق التصوير.
الشاعر المرهف الراحل جعفر محمد عثمان عمل أستاذاً في الكثير من المعاهد والمدارس الثانوية وتمّ نقله لمدينة الدلنج أستاذاً بمعهد إعداد المعلمين (وفي المنزل الذي قطن فيه كانت هناك (تبلدية) مجرد(تبلدية) كسائر أشجار التبلدي.. ولكنه ألفها وأصبحت تمثل جزءاً من حياته في ظلها جلس وقرأ وكتب ونظم جميل الشعر.. وبعد مغادرته لمدينة الدلنج ظل الحنين الذي يلاحقه حتى كتب فيها القصيدة المشهورة التبلدية
يعود بحسب الروايات الموثقة في مدينة الدلنج – تاريخ هذه التبلدية إلى أن من غرسها هو رجل مصري الجنسية لكنه سودن نفسه ونمط حياته على الطريقة السودانية واسمه تادرس يعقوب (القرموشي)، وكان(القرموشي) وثيق الصلة وقريب من مدير المعارف وقتها الأستاذ محمد حسن عبدالله والذي يؤثره حيث كان القرموشي عالماً موسوعياً ومحباً للعلوم والمعارف، ويتداول عنه عرب قبيلة الحوازمة الذين يقطنون مناطق الحمادي والدبيبات والدلنج بأنه كان رجلاً كريماً وضيافاً يحب الخير للناس وتقول بعض الروايات عنه أنه ترقى في سلك التعليم حتى أصبح مديراً لمدرسة المقرن الثانوية بالخرطوم التي كانت بالقرب من المعهد الفني جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا الآن
حكاية قصيدة تبلدية:-
قال الراحل جعفر محمد عثمان خليل إنه خلف المعلم القرموشي في ذات المنزل الذي غرس فيه التبلدية لكنني لم التقيه وقد تعلق قلبي بها وشهدت عهد صباها وهي شهدت أيام شبابي الزواهر ولياليه ولكني فارقت الدلنج وفارقتها بعد طول إلفة ومحبة وجوار… ولم تغب عن ذاكرتي وذات يوم وأنا في بخت الرضا بالدويم تذكرتها فنظمت تلك القصيدة التي طبقت شهرتها الآفاق وأصبح كل من يزور مدينة الدلنج يسأل عنها حتى يدل على المنزل الذي هي فيه.
فكانت هذه القصيدة:
ذكرى وفاءٍ وودِّ عندي لبنت التبلدي
في كلّ خفقة قلبٍ وكلّ زفرة وجدي
فيا ابنة الروض ماذا جرى لمغناك بعدي؟
مازلتِ وحدك إلفي يا ليتني لك وحدي
هل تذكرين عهوداً قد عشتها في جنابك؟
وهل شـــجـــاك غيــــــابي ؟ إنّي شجٍ لغيابك
مازلت في البــــــــعد أحيا كأنني في رحابك
هذا شبـــابي يولي فكيــــف حال شبابك؟
لا تحزني إنْ تعرّتْ لدى المصيفِ فروعك
أو إنْ يبستِ فبانتْ من الذبول ضلوعك
فدون ما راع قلبي من الأسى ما يروعك
أنا لن يعود ربيعي لكنْ يعود ربيعك
ياربّ صيفٍ تجنّى على بديعِ جمالكْ
وأشعل التّربَ شوقاً إلى وريفِ ظلالكْ
أبلى شبابَك لكنْ زاد البِلَى من جلالكْ
ومن غصونك كفٌّ رفعتها في ابتهالكْ
وجاء عيدك طلْقاً له ابتسام البشيرِ
يتيه حسناً ويزهو في موكب من زهورِ
وأصبح الكون روضاً مضمّخاً بالعبيرِ
فكنتِ عذراء زانتْ عُرْسَ الوجود الكبيرِ
حيناً من الدهر عشنا ياجارتي في حبورِ
يزهو كلانا بعود من الشباب نضيرِ
فكنتِ أجمل عشٍّ لساجعات الطيورِ
وكنتُ عشّ العذارى من كل عِينٍ وحورِ
يا جارتي لستُ أنسى يوم الوداعِ الحزينِ
وأنتِ في الصمتِ حيرى وربّ صمتٍ مبينِ
مددتِ نحوي غصوناً كاذرعٍ تحتـــويني
فكدتُ إذ صافحتني لها أمدّ يميـــــــــــــني
وكم تلفّــــتُ خلفي بحســـــــرةٍ و التيــــــــاعِ
و الركب يمضي بعيداً عن حالمات البقاعِ
وللغصون الأعالي في الريحِ خفق الشراعِ
كأنّها منــــك كفٌّ قد لوّحتْ في وداعي
ياجارتي أين مني عهد الهوى والفتون ؟
وأين صفوي ولهوي في ماضيات السنين ؟
قد ضمّـهنّ فــؤادي وحاطهـــــــــنّ حنيــــــني
يا غادة الأيك عام يمرّ من بعد عامْ
ولا تزالــين ذكـرى بقلــــبي المستـــــهامْ
يا رُبا السحر حيا ثراك هامي الغمامْ
وياربيـــــع شبـــــابي عليك ألف سلامْ
قصيدة (تبلدية) يعود تاريخ نظمها للعام 1964 وقد كتبها الشاعر جعفر محمد عثمان خليل في بخت الرضا بالدويم حيث كان قد نقل من الدلنج عام 1962