علي غير العادة في شهر يوليو الماطر ، يتفاجأ السودان بانحسار مفاجئ لتدفق المياه في النيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل، و الاحتمالات الاكثر ترجحا ان يكون الانحسار ناتجا عن بدء إثيوبيا ملء خزان سد النهضة خاصة بعد تضارب التضريحات الاثيوبية بين البدء في ملئه و نفي الامر ، سيما ان التوقيت الحالي في الاعوام الماضية كانت مناسيب المياه في اعلي حالاتها ، و بصورة اكثر دقة كانت العاصمة الخرطوم علي شفاه حفرة من فيضانات محققة تشمل المناطق الزراعية و السكنية علي جانبي النيل ، و هنا يطل سؤال براسه هل انحسار اليوم هو اولى اثار السد ، و هل ستكون هناك اثار اخرى .
انحسار مفاجئ
هيئة مياه ولاية الخرطوم كشفت امس عن خروج عدد من محطاته على نهر النيل عن الخدمة جراء انحسار مفاجئ لتدفق المياه في النيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل، محتمل ان يكون ناتجا عن بدء إثيوبيا ملء خزان سد النهضة ، و قال المهندس أنور السادات الحاج محمد، في تصريحات صحفية، إن «محطات الصالحة (أ) و(ب) وبيت المال وشمال بحري وأم كتي والشجرة خرجت عن الخدمة جراء الانحسار المفاجئ لمياه النيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل»، و افصح المدير عن «إنزال منصات مضخات المياه الخام لأدنى مستوى لها في محطة مياه سوبا ومحطة مياه بحري القديمة ومحطة مياه المقرن ومحطة مياه المنارة، مبينا أن ما نجم عن الانحسار أدى لخفض كميات المياه النقية المنتجة من المحطات المذكورة». و ابان أن «الهيئة أبلغت إدارة الخزانات بخروج محطاتها عن الخدمة بسبب الانحسار المفاجئ للنيل».و لفت في الوقت نفسه إلى أن «إدارة الخزانات عادت وأبلغت الهيئة عن فتح عدد من بوابات خزان الروصيرص وأن المياه ستنساب نحو الولايات في المسار النيلي في غضون 48 ساعة» وتوقع المهندس السادات حدوث شح في إمداد المياه بعدد من الأحياء بالولاية ونقصها الحاد في مناطق أخرى بعيدة.
تناقض التصريحات الاثيوبية
اصابع الاتهام تتوجه الان نحو إثيوبيا بعد اصدارها بيانات متناقضة عن مباشرتها ملء خزان سد النهضة، فبعد إعلان رئيس وزرائها آبي أحمد عن عزم بلاده ملء هذا الخزان بغض النظر عن اتفاقها مع مصر والسودان ،تراجع وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بقلي عن تصريحاته التي تؤكد بدء بلاده ملء سد النهضة نقلها التلفزيةن الاثيوبي الرسمي ، عقب افتضاح صور الاقمار الصناعية عن تدفق مياه الى بحيرة السد بحسب وكالة “أسوشيتد برس” ، و قال ان الصور تعكس الأمطار الغزيرة وتدفقها الكبير، حيث كان معدل تدفق الأمطار إلى البحيرة أعلى من معدل خروج المياه منه، و أكد بقلي صحة صور الأقمار الصناعية التي نشرت حديثا للسد وتظهر امتلاءه بالمياه، لكن من دون تحديد مصدرها.
*كارثة كبرى
خبراء قطعوا الشك باليقين فيما يخص تسبب البدء في ملء السد في انحسار معدلات مياه النيل ، و هذا ما ذهب اليه خبير المياه شرف الدين احمد حمزة، و الذي قطع بان بدء تدفق المياه الى بحيرة السد امر بالاستدلال و الاستقراء سينتح عنه انخفاض مناسيب النيل في السودان و قال لاخر لحظة ( الحكاية مادايرة ليها درس عصر )، سيما ان بحيرة السد تعتبر اكبر بحيرة مائية صناعية، تحتاج الى (75) مليار متر مكعب من المياه لملئها بالكامل ، و استدل بان مناسيب النيل في هذا التوقيت من العام تصل الى اعلى معدلاتها نسبة لهطول الامطار ، و وصف الامر بالكارثة الكبرى ، و جزم بان نقص و انخفاض المياه بمجرى النيل الأزرق سينتج عنه ضعف او توقف التوليد الكهربائي بخزان الروصيرص، و قال ( حيكون مافي كهرباء ) ، متوقعا ظهور العديد من الجزر على مجرى النيل ، وقال( سكان جزيرة توتي سيهنون بنومهم في هذا العام دون القلق من انغمار جزيرتهم بالمياه) ، و قال حمزة ان الطبيعة الجغرافية للمنطقة المقام فيها السد ، ستتاثر بوجوده و ربما تنتج عن وجوده زلازل باعتبار انها تعتبر امتداد للاخدود الافريقي العظيم ، و قال ان الزلازل التي كان في مصر في تسعينيات القرن الماضي كانت نتاج ملء خزان سينيشا الاثيوبي وقتها . و لفت الخبير الى ان ارتفاع السد عن سطح العاصمة الخرطوم يقدر باربعة الاف متر ما يعني ان انهياره سيغرق الخرطوم في مدة لا تتجاوز الثمانية دقائق.
و مضى الخبير في التحذير من الاثار السلبية لملء البحيرة ، و قال على المستوى البيئي ستتعرض البيئة لدمار شامل نتيجة اختلال سيصيب التوازن الحيوي بين وجود الحشرات و العناكب و الطيور و التربة في الارض ، و اختلال اخر في التوازن الايكولوجي (الجوي) ، الذي سيؤثر سلبا على هطول الامطار في معدلاتها و مواقيتها ، ما الامر الذي سينتج عنه تذبذب الانتاج الزراعي و التنوع فيه نسبة لتغير المناخ و التربة و البيئة ، و اضاف ان تلك التغيرات ستطال الثروة الحيوانية و قال ( حظيرة الدندر حتكون في خبر كان) ، و لم يفت الخبير ان انحسار النيل يعني فقدان زراعة الجروف على جانبي النيل و التي تمد السوق المحلي بالخضر و الفاكهة ، الامر الذي سيخلق ازمة في توفيرها و ارتفاع اسعارها .
*حرب المياه
على مستوى الامن الاستراتيجي و الاقتصاد القومي يؤكد حمزة ان انحسار مياه النيل سيطال تدفق الاستثمار و الصناعة ، وقال ان البلاد ستفقد الاستثمارات الزراعية ، و تخوف في الوقت نفسه من اتجاهها الى المياه الجوفية و التي تعتبر مخزون إستراتيجي للاجيال القادمة ، فضلا عن توقف الصناعة بسبب عدم توفر الكهرباء، الخبير دق ناقوس الخطر و قال الان الامر يعد حربا على المياه لم تلق لها الحكومات المتعاقبة بالا ، و تابع ان الحرب بداءت من خمسين عاما كانت واضحة في انفصال الجنوب و ان السودان ابرز ضحايا هذه الحرب في العالم، و لفت الى ان الامن القومي له مفهوم واسع يشمل الحفاظ على الثروات و تامين الغذاء و السكان و ليس منحصرا في الامن العسكري وحده.
*حلول قانونية
يبدو ان الامر يمكن انقاذه حال اللجوء للحلول القانونية ، و هذا ما اكدته منشورات خبير القانون الدولي و عضو اللجنة الوطنية لسد النهضة المستقيل د احمد المفتي ( و التي تحصلت اخر لحظة على نسخة منها ) ، التي كشفت عن الوصفة القانونية كاملة الدسم ، التي تحافظ علي حقوق السودان المائية ، و التي تنص في حالة أقدام إثيوبيا علي الملء بإجراء منفرد ، في أي وقت من الأوقات . يجب إيقاف المفاوضات فورا ، حتي لا يشكل الأمر ” سابقة قانونية ” ، وذلك بغض النظر عن الأضرار ، التي لها معالجة خاصة ، لأن أي استمرار للمفاوضات بعد بدء الملء بإجراء منفرد ، يعني ” تقنين وشرعنة ” ، ذلك الملء الانفرادي غير المشروع ، بصورة ضمنية ، ثم سحب التوقيع علي اعلان المبادئ فورا و ذلك لان الملء بإجراء منفرد ، انتهاك إثيوبي للاعلان ، إضافة إلي انتهاكاتها اثيوبيا الأخري للإعلان ، والتي سوف نحددها ، أدناه ، علي وجه الدقة . كما يجب إرجاع الأمر لمجلس الأمن فورا ، لاستصدار قرار بموجب الفصل السابع ، لالزام إثيوبيا بوقف الملء الأول ، وعدم اتخاذ أي إجراء ، إلا بعد وصول إثيوبيا إلي اتفاق ملزم ، مع السودان ومصر ، يحدد حقوق والتزامات كل دولة ، لأن مجلس الأمن سبق له أن طلب من إثيوبيا ، عدم الملء بإجراء منفرد . بالاضافة الى تكوين فريقين سودانيين ، لدراسة اثار انخفاض المنسوب 1.27 مترا ، وأي انخفاض عن المعدل الطبيعي ، لتحديد الأضرار علي المواطنين السودانيين ، علي طول مجري النهر حتي الحدود السودانية المصرية ، وذلك لتحديد ما يلزم ، من تعويضات ، وب ” مشاركة المواطنين ” المتضررين ، و لفت المنشور الى ان إثيوبيا قد التزمت بتلك الدراسات ، في اعلان المبادئ ، ولكنها لم تقم بها ، و المتمثلة في تكوين فريق لاجراء الدراسات الاقتصادية ، والبيئية ، والاجتماعية . بالاضافة الى فريق لدراسة ” استكمال ” اثيوبيا لامان السد ، حسبما التزمت في الفقرة الثانية من المبدأ رقم 8 ، من اعلان المبادئ.
آخر لحظة