عبد الفتاح عرمان
asa194@psu.edu
تقول القصة أن قطاً شرساً يعيش مع فئران في منزل واحد حيث ظلت الفئران في رعب داعم منه إذ كان يلتهم كل يوم فأراً منها دون ذنب اقترفته. أتفقت الفئران على عقد اجتماع طارئ وعاجل لمناقشة كيفية التعامل مع هذا الوضع المأزوم، وبعد مداولات طويلة اتفق الجميع على تعليق جرس حول رقبة القط حتي إذا حاول الهجوم على أحد الفئران تنبه إليه الفأر عبر صوت الجرس المعلق حول عنقه مما يساعده على النجاة من ذلك القط الظالم لجيرانه في البيت. على الرغم من وجاهة الطرح إلا أن المشكلة كانت تكمن في كيفية الإمساك بالقط وتعليق الجرس حول عنقه، إذ رفضت جميع الفئران المخاطرة بنفسها لتنفيذ تلك المهمة لانها شبه مستحيلة. المغزي من هذه القصة هي أنه لا يكفي أن تكون لديك خطة جيدة تحقق لك هدفك المنشود ولكن سبل الوصول إلى ذلك الهدف المنشود يجب أن تكون عملية وقابلة للتطبيق على أرض الواقع.
سردت القصة أعلاه كمدخل لتفكيك خطاب الحزب الشيوعي ودعواته المتكررة لإقصاء المكون العسكري وبعض رفاقه في قوى الحرية من المشهد السياسي عبر القفز على الشراكة السياسية التي أسست لها الوثيقة الدستورية التي كان الحزب طرفا فيها وأخذ عبرها حظه الوافر من السلطة في المركز والولايات (خريف ابو السعن عديل)، ولكنه يريد إلتهام الكيكة والإحتفاظ بها في نفس الوقت. ويردد الشيوعي يوميا معزوفة واحدة هي أن المكون العسكري في مجلس السيادة يمثل لجنة المخلوع البشير الأمنية بذاتها وصفاتها ورفاقه في قوى الحرية هم ليسوا سوى قوى الهبوط الناعم!
قال بيان صادر من المكتب السياسي للحزب الشيوعي يوم أمس، مطلع أكتوبر، أن اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة الإنتقالية والجبهة الثورية “تعتبر مهدد حقيقي لوحدة السودان”!! ما بين الأقواس منقول من البيان المعني دون تعديل مني، فتأمل يا صاح! الحزب الشيوعي هنا يزرف دموع التماسيح على وحدة السودان
. Shedding crocodile tears
إذ الإتفاق الموقع في كافة المسارات لا يتحدث عن تقرير المصير أو الحكم الذاتي عدا الإتفاق الموقع مع الحركة الشعبية بقيادة الجنرال مالك عقار، اذ ورد النص الآتي فيما يتعل بالإتفاق الإطاري بين الطرفين: 8-1: الحفاظ على وحدة شعب السودان وأرضه من خلال التحول إلى نظام جديد للحكم العادل والرشيد كهدف أساسي للتداول السلمي للسلطة في السودان. وفي الفقرة 42 من نفس الإتفاق وردت الفقرة الآتية: تتمتع المنطقتان بسلطات وصلاحيات خاصة ضمنها حق التشريع في إطار حكم لا مركزي (سوى كان فيدراليا أو ذاتياً) في إطار السودان الموحد الخ. ثم تم الإتفاق على إعطاء المنطقتين حكما ذاتيا حسب دستور 1973 المعدل 1974 في اطار السودان الموحد. إذا تهديد وحدة السودان ماهو إلا محاولة يائسة وبائسة لذر الرماد في العيون، ويذهب الزبد جفاءً وما ينفع الناس يمكث في الأرض. تأمل يا عزيز القارىء أن نفس الحزب الذي يدعي خوفه على وحدة السودان دعا إلى مسيرة مليونية في العاصمة الخرطوم لدعم إتفاق الحلو-حمدوك، إذ أقيمت تلك المسيرة يوم 24 سبتمبر المنصرم دون تجاوب من الشارع معها. ولكن ماهي أهم نصوص إتفاق الحلو-حمدوك الذي يريد الشيوعي دعمه حتي يري النور، أهم بند فيه الآتي نصه في الفقرة ٣: يجب قيام دولة ديمقراطية في السودان ولكي يصبح السودان دولة ديمقراطية تكرس حقوق جميع المواطنين، يجب أن يقوم الدستور على مبادئ “فصل الدين عن الدولة”، وفي غياب هذا المبدأ يجب احترام حق تقرير المصير، حرية العقيدة والعبادة وممارسة الشعائر الدينية مكفولة بالكامل لجميع المواطنين السودانيين، لا يجوز للدولة إقامة وتحديد دين رسمي، ولا يجوز التمييز ضد أي مواطن على أساس دينه”. الشيوعي الذي يدعي خشيته على وحدة السودان يريد فرض فصل الدين عن الدولة أو تقرير المصير في منطقتي جبال النوبة/جنوب كردفان والنيل الأزرق!!
ينسي الحزب الشيوعي الفقرة 9 من ميثاق إعلان الحرية والتغيير الذي وقعت عليه القوى المنضوية تحت مظلة قوى الحرية والتغيير والذي وقع عليه هو ايضا في مطلع يناير 2019، والتي نصت على إقامة مؤتمر دستوري شامل لمعاجلة القضايا القومية وكتابة الدستور. وقضية فصل الدين عن الدولة قضية مختلف حولها ولا يملك شخص أو تنظيم واحد حسمها قبل المؤتمر الدستوري وإلا لحسمها ميثاق إعلان الحرية والتغيير من يناير 2019. وما ورد في إتفاق جوبا بين الجبهة الثورية والحكومة الإنتقالية من نص لفصل الدين عن السياسة يجعل معركة الشيوعي والحلو معركة في غير معترك. إذا الشيوعي يبكي على السلطة التي ستأخذ الجبهة الثورية نصيباً وافراً منها وليس خوفه على وحدة السودان كما يدعي ذلك. النقطة الآخرى هي أن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير كان مشاركا في المفاوضات مع الجبهة الثورية وأصدر بياناً رحب فيها بالتوقيع على الإتفاق الإطاري بين الحكومة الإنتقالية والجبهة الثورية مما يجعل الشيوعي يغرد خارج السرب.
بيان الحزب الشيوعي قال بالنص: هذه الاتفاقية تتكون من نفس جماعات الهبوط الناعم التي التقت بنائب رئيس النظام المخلوع لشؤون التنظيم فيصل حسن إبراهيم في أديس أبابا والذي أكد بعد عودته قبيل اندلاع ثورة ديسمبر أن هذه المجموعة عبرت وأكدت على دعمها للنظام السابق واستعدادها للمشاركة في انتخابات 2020م لتوسيع قاعدة حكم الدكتاتور المخلوع عن طريق المحاصصات السياسية”. غني عن القول أن من يدعم النظام البائد لا يواجهه بقوة السلاح مثلما فعلت كل حركات الكفاح المسلح. ألم يتلقي حليفكم الحلو بقادة النظام البائد؟! أدناه تفاصيل لقاء فيصل بذاته وصفاته مع الحلو في نوفمبر 2018 كما اورده موقع (النيلين): تحدث د. فيصل حسن ابراهيم لأول مرة أمام لقاء خاص بقادة الأجهزة الاعلامية عن تفاصيل محادثات غير رسمية جرت بين الحزب الحاكم وقطاع الشمال بضاحية من ضواحي جوهانسبيرج بجنوب أفريقية. وقال إن المحادثات جاءت بطلب من الوسيط الأممي الأفريقي ثامبو اَمبيكي ، وكشف أن المقترح الأول تضمن أن تكون عضوية المفاوضات (١+3) ، وتمت لقاءات ثنائية بين د. فيصل والحلو ولقاءات (2+2) وقدم الحلو خطابا في الجلسة الافتتاحية تضمن قضايا تأريخية، وقضايا أخرى تم حسمها عبر الحوار الوطني، وأوضح د. فيصل أن الحلو أكد التزامهم بوحدة السودان، وقال “هذا أمر محمود” وأشار إلى أن وفد الحكومة وافق على نقاش المسار السياسي مع قناعتهم أن هذه القضايا تم تضمينها في توصيات الحوار الوطني والوثيقة الوطنية”.
المسيرة المليونية التي دعا لها الشيوعي يوم 24 سبتمبر المنصرم ضمت الحزب الإتحادي (الأصل) يتحدث بيان الشيوعي عن الهبوط الناعم ولكن لا يجد حرجا في التعامل مع حزب ساند البشير حتي سقوطه! فأي عقل يفكر للحزب الشيوعي! إذ أن تناقضات هذا الحزب تصيب رأس أي منا بالدوار! إذ لا يُعقل أن تدين موقفاً وتتخذ موقفاً أسوأ مما عبت على الناس. الحزب الشيوعي يريد أستبعاد أطراف وشركاء له -بحسب الوثيقة الدستورية وإعلان الحرية والتغيير- من المعادلة السياسية حتي وإن تحالف من أحزاب شاركت النظام البائد إلى نهاية الشوط ولكنه عمليا لا يتسطيع ذلك وآن له أن يحسم أمره بالعمل مع حلفائه في الحرية والتغيير والحكومة الإنتقالية أو الخروج من الأثنين معا وتشكيل تحالف معارض جديد، ولكن وجوده في منطقة وسطى ما بين جنة السلطة ونار المعارضة غير منطقي ومكلف له وللآخرين.