Site icon المجرة برس

تقرير يكشف السر .. لماذا تفاقمت الأزمة الاقتصادية بعد الثورة؟

ثار السودانيون في 2018 بعد أزمة خبز ووقود في البلاد.. لكن الأزمة استفحلت بعد الثورة، وارتفعت أسعار الخبز والمحروقات والغاز والدواء والسلع الأساسية. ووصل سعر الدولار في السوق الموازي إلى أكثر من 250 جنيها بينما سعره الرسمي 55 جنيها، وهو ما يجعل تحويلات المغتربين السودانيين تتم خارج النظام المصرفي للفارق الكبير، بحسب الصحفي السوداني حسن بركية لـ”موقع الحرة”. ويواجِه السودانيون أزمة خبز حادة، حيث يصطف الناس في طوابير طويلة تمتد لساعات يوميا، في محاولات شاقة للحصول على رغيفِ العيش. يقول بركية إن “أسعار السلع الأساسية ترتفع بمتوالية هندسية، ومع شح وندرة في الخبز والمواد البترولية، تواجه الحكومة الانتقالية أوضاعا في غاية التعقيد”. فالحصول على رغيف العيش ليس سهلا في الخرطوم، فالأمر يتطلب الذهاب للمخابز في الساعات الأولى من الفجر والانتظار حتى الظهيرة أحيانا، ما أدى إلى احتقان في الشارع السوداني. وقالت الأمم المتحدة في الأول من أكتوبر الجاري، إن أسعار المواد الغذائية في السودان تضاعفت ثلاث مرات خلال سنة، بينما ارتفعت تكلفة الخدمات الصحية بنسبة 90%، لترسم بذلك صورة قاتمة للأوضاع في البلاد.
مؤتمر اقتصادي مخيب للآمال
وعقد السودان مؤتمرا اقتصاديا الأسبوع الماضي لبحث كيفية حل الأزمة، لكن “مخرجاته كانت كارثية”، بحسب الخبير الاقتصادي السوداني محمد الناير لـ”موقع الحرة”. ويوضح الناير أن السودانيين كانوا يتوقعون أن يتم إلغاء السياسات التي أجيزت في موازنة 2020 المعدلة من قبل مجلسي الوزراء والسيادة لحين تشكيل المجلس التشريعي في البلاد، لكن توصيات المؤتمر جاءت بإجازة تحرير سعر الصرف في ظل عدم وجود احتياطي من النقد الأجنبي، كما أجازت زيادة أسعار المحروقات رغم أنه تم زيادتها بداية العام الجاري بخمسة أضعاف للجازولين وأربعة أضعاف للبنزين، فضلا عن زيادة أسعار الكهرباء وكثير من الضرائب الأخرى”. ويرى أن مخرجات المؤتمر تلقي مزيدا من العبء على المواطن الذي يعاني أساسا من نقص كبير جدا وغير مسبوق في الخبز والمحروقات والغاز والدواء وكثير من السلع الأساسية الأخرى، وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع، وهي نفس الأسباب التي جعلت الشعب يثور في 2018″. وبلغ التضخم وفقا للمكتب المركزي للإحصاء السوداني 170 في المئة في أغسطس الماضي. وتصل كفلة استيراد الدقيق والمحروقات والدواء إلى نحو مليار ومائتي مليون دولار شهريا، وهي فاتورة ضخمة على بلد أنهكته الحروب والعقوبات الدولية. وأضاف أن حكومة الفترة الانتقالية تريد أن تمضي في هذه السياسيات رغم أن المواطن لا يتحمل أكثر مما تحمله في الفترة السابقة.
ما هي الأسباب؟
يرى القيادي في قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة، نور الدين بابكر في حديثه مع “موقع الحرة” أن أسباب التدهور الاقتصادي يعود للتركة الثقيلة التي ورثتها حكومة الفترة الانتقالية من النظام السابق، فيما يتعلق بملف الاقتصاد “الدمار هو السمة العامة لهذا الملف”. وأوضح أن “الخراب الذي طال المشاريع الإنتاجية والفساد الذي ينهش جسد المؤسسات الاقتصادية والمنهج الطفيلي الريعي الذي نهب ثروات البلاد لصالح فئة محددة وغياب مشروع اقتصادي وطني، كل هذه العوامل اجتمعت في الثلاثين عاما الماضية”. ويتفق معه بركية الذي يشير أيضا إلى غياب الرقابة ووجود بيئة حاضنة للفساد، فضلا عن اقتصاد مواز للمؤسسة العسكرية. ويوضح “الشريك العسكري يسيطر علي كثير من الموارد ويدير اقتصادا موازيا بعيدا عن سيطرة الحكومة الانتقالية، التي تعاني ذاتها من صراعات بين مراكز القوي المختلفة ولا تملك إرادة سياسية قوية لمكافحة الفساد ومواجهة شركات القطاع العسكري”.
من جانبه يرى الناير أن من ضمن الأسباب هو بطء الحكومة في التعامل مع الملف الاقتصادي. وأوضح أن “الحكومة اهتمت بملفي السلام والعلاقات الخارجية، ولم تنجح في استكمالها أيضا حتى الآن بالشكل المطلوب، واعتمدت الدولة على المجتمع الدولي الذي خيب ظنها ولم يف بالتزماته ووعوده”.
ما الحل؟
تفكر الحكومة في رفع الدعم وتحرير الأسعار، ما سيزيد من الأثقال على كاهل المواطن. ويرى بابكر أن “وقف هذا التدهور يحتاج لعمليات جراحية عميقة في جسد الاقتصاد السوداني تبدأ بصياغة مشروع اقتصادي وطني ينزع للاستفادة من إمكانيات وثروات البلاد وينتهي بإدرة راشدة ووطنية لموارد البلاد المادية والبشرية”. ويضيف أن “رفع الدعم أحد هذه الإجراءت باعتبارة تشوه في أي اقتصاد، ولكن نعتقد أنه يجب عمل جملة من الإصلاحات تبدأ بإعادة هيكلة الدعم حتى يذهب لمستحقيه، مثل الإصلاح المؤسسي للدولة، والإصلاح الضريبي، واستقرار سعر الصرف وذلك بخلق علاقات اقتصادية متوازنة تحقق مصالح للسودان”. ويرى الناير في حديثه مع “موقع الحرة” أن “على الدولة أن تعتمد على قدرات السودان الطبيعية مثل البترول والذهب والماشية والمحاصيل الزراعية، الدولة لم تعمل في هذا المجال وأضاعت وقتا ثمينا في الاعتماد على المجتمع الدولي ومؤتمرات المانحين وانتظار المساعدات ولم تحصد شيئا حتى الآن”.

الانتباهة

Exit mobile version