Site icon المجرة برس

البواخر .. (قشة) قصمت ظهر صادر الماشية

حالة من الغموض تكتنف إرجاع صادرات المواشي السودانية من موانئ المملكة العربية السعودية لا سيما وقد أصبحت بصورة راتبة ومتكررة ما شكل خطراً على أحد أهم أركان الاقتصاد السوداني والرافد الرئيسي لخزينة الدولة. وقد ترتب على إرجاع بواخر الماشية خسائر مركبة يصعب تجاوزها والتي من أهمها أن أفقدت صادرات الثروة الحيوانية سمعتها التي كانت تتميز بها أضف إلى ذلك انهيار هذا الصادر كلياً وتكبد المصدرين خسائر فادحة ، ونفوق أعداد كبيرة من الماشية أثناء رحلة الذهاب والإياب ، كل هذه الاشكالات ظهرت على الساحة الاقتصادية عقب تصريح الحكومة بإكتشاف حالات مرض (حمى الوادي المتصدع) والذي تم بموجبه إيقاف صادر الماشية السوداني من قبل السلطات السعودية إلى حين خلوها من المرض. لكن تكرار السيناريو جعل العديد من الأسئلة تفرض نفسها خاصة وأن كل جهة تلقي اللوم على الجهة الأخرى والإخفاقات على سواها . إذن ماهي المعيقات الحقيقية التي عملت على تدمير صادر الماشية، وهل البواخر غير المطابقة للمواصفات تقع في مقدمتها هذا ما سوف نحاول الإجابة عليه عبر هذا التحقيق.
غير مهيأة
يشير وزير الثروة الحيوانية السابق د.علم الدين عبدالله في حديثه لـ»الإنتباهة» إلى وجود بواخر غير مطابقة للمواصفات وغير مهيأة وتفتقد للتهوية ، بالإضافة إلى بطء سرعتها مع عدم وجود ماء وأعلاف على متنها مما يعرّض الماشية للخطر لا سيما وانها تحمل اعدادا كبيرة ، و يرى علم الدين ضرورة وضع شروط محددة للبواخر بحيث يتم إبعاد كل باخرة غير مطابقة للمواصفات. وفيما يختص بنظام الصف(التدوير) يرى أنه نظام غير مجد ويؤدي إلى نفوق الحيوان لذلك يذهب الى أن يختار المصدر الباخرة التي يراها مناسبة ومطابقة للمواصفات وغير المخالفة للقوانين التي تضعها الدولة للبواخر بحيث يتم إبعاد البواخر غير المطابقة للمواصفات.
ويرى علم الدين أن البواخر يجب أن تتم تهيئتها لصادر الماشية العائد من السعودية لان معظم النفوق يحدث بعد عودة البواخر لذلك تصبح تهيئة المكان وتوفير المياه والأعلاف بعد العلم برجوعها مرة أخرى من الأهمية بمكان نسبة لان الماشية تظل بدون أكل أو شرب طيلة الثلاثة أيام التي تستغرقها في الرحلة. وبعد عودتها لا يتم تفريقها إلا بعد دفع قيمة النولون.
دعوة شراء
وسبق وان كشف وزير الثروة الحيوانية عادل فرح لـ(الإنتباهة ) عن أسباب إعادة البواخر المحملة بالماشية والتي أرجعها الي عدم مطابقتها للمواصفات ،وأضاف إلى انها رديئة جداً ولا توجد دولة في العالم تقبل العمل بها سوى السودان .ودعا الوزير المصدرين لشراء بواخر لتجنب المشاكل والخسائر التي تحدث من جراء تردي البواخر ولتحقيق أرباح أكثر، وعاب في الوقت نفسه على الدولة عدم توفر باخرة باسمها واصفاً له بالمعيب جداً.كما أنه سبق وأن ذكر أن هنالك أكثر من 22 باخرة في الخط إلا أن الجيد منها لا يتعدى الخمس بواخر فقط .
إرغام على الشحن
وقد أوضح رئيس وكلاء المصدرين حميد غوينم ان لجنة تنظيم البواخر مازالت تباشر عملها بنظام الدور، مما ادى لحدوث بعض المشاكل مع المصدرين لإرغامهم على الشحن بالبواخر التي رفضوا الشحن بها لرداءتها. وجزم في حديث سابق للصحيفة بأن السبب الأساسي في إرجاع البواخر هو نظام الصف أو ما يُعرف بـ (نظام الدور ) .
خروج المصدرين
ويرى خالد وافي – أحد المصدّرين ومقرر شعبة الماشية سابقاً أن المشاكل التي تواجهه صادر الماشية كثيرة ابتداء من سياسات الدولة واصفاً لها بانها سياسات تساعد على تدمير القطاع في المقام الأول بدءاً من سياسات التعاقد التي تساعد على عمليات التهريب وتساعد على طبيعة العائد وتعمل على تدمير المصدرين وخروج المصدرين الحقيقيين من القطاع. وأكد أن نسبة 90% من المصدرين الحقيقيين خارج نطاق عملية الصادر إذ أن كل عمليات الصادر تتم الآن عن طريق عمليات آيلة عن طريق جهات تعمل على استغلال صادر الثروة الحيوانية في تجنيب العائدات وتهريبها، إضافة إلى مشاكل أخرى، وأوضح انها مشاكل مترابطة مع سياسات الدولة .
بواخر فاقدة للمواصفات
وفي حديثه عن البواخر قال وافي إن البواخر تواجه عددا من المشاكل خاصة وأن البواخر الموجودة بين جدة وسواكن بواخر متهالكة بطيئة وأدى هذا إلى تأخيرها ونفوق الكثير من المواشي بالإضافة الى عدم تجهيزها فهي بواخر غير مجهزة ولا توجد بداخلها (شرابات وعلافات) ومع ذلك تقطع المسافة في أكثر من ست وثلاثين ساعة مع ان المسافة لجدة تستغرق عشر أو اثنتي عشرة ساعة ببواخر مجهزة ومطابقة للمواصفات .
نظام (الدور) وكوارثه
ويتابع وافي حديثه بأن هنالك لجنة تسمى بلجنة البواخر تجبر المصدريين بالشحن في بواخر متهالكة عبر نظام الصف أو الدور مما أدى الى وقوع العديد من الكوارث مع علم كل المصدرين بالأشياء التي تتم، إذ أن البواخر سببت لهم خسائر كبيرة جداً مما أدى ذلك إلى ترك الكثيرين هذا المجال لأن الخسائر أصبحت خسائر مركبة خسائر في الحيوان وفي الأموال والمصفوفات والنوالين التي تدفع، وأمر من هذه الخسائر التي لا تعوض سمعة البلد وصادره هي خسائر مادية ومعنوية كبيرة جداً أدت إلى كثير من المعاناة التي لم نبرحها الى اليوم. وأفاد بوجود الكثير من المشاكل التي تحتاج إلى حسم ومعالجات جذرية لها بعيداً عن المجاملات التي (ضيعت البلد) ويرى انه لا يوجد بصيص أمل للمعالجة، وأكد ضرورة إلغاء نظام الصف وأن يعطى المصدر حرية أن يختار الباخرة التي يراها مناسبة لنقل مواشيه حتى يضمن سلامتها عبر بواخر جيدة لضمان تفاديها الخطورة التي ربما تتعرض لها الباخرة . وأضاف وافي : ليس من العدالة أن نجبر على الشحن في بواخر ليس مستوفية للشروط ومتهالكة. ويتساءل لمصلحة من يتم ذلك؟ إذ لا توجد دولة تعرض صادراتها للتدمير بالشحن في بواخر غير مؤمنة ومتهالكة إذ ليس من العدالة أن نجبر أن نشحن في باخرة ليست مستوفية للشروط .
خسائر مليارية
ويرى وافي أن لجنة البواخر قد تسببت في كثير من المشاكل وهي من عملت على تدمير الصادر تحت نظر المسؤولين في الدولة عبر إجبارنا على الشحن بنظام الصف، فالمُصدر لا يتحمل تأخر مواشيه نتيجة للصرف الإضافي وانعدام المياه والطقس فلا يوجد مُصدر تم تعويضه على هذه الخسائر الفادحة التي تتجاوز أكثر من ثلاثمائة مليار كانت لجنة البواخر هي السبب فيها. إذ الأحرى للدولة ان تحمي المُصدر وتساعده على الاطمئنان على بضاعته ووصولها سليمة لا أن تساعد جهات متغولة عليه وتجبره على الشحن ببواخر متهالكة، وتكون بذلك السبب الأساسي في تدميره .
مافيا متكاملة
وينتقد وافي سياسات البنك المركزي في مجال التعاقدات الآجلة حيث انه يعمل على تشجيع عمليات الصادر عبر الدفع الآجل وهي التي يتم بها سرقة البلد (زول يجيب كاش يقولوا ليهو جيبن مؤجل بعد ثلاثة شهور) وأضاف (لو البلد منتظرة من البنك المركزي في مجال الصادر والتعاقدات الآجلة خير نحن منتظرين قزازة دم من بعوضة )، وذكر أن هناك مافيا تعمل على تجميد العائدات وتعمل على استخراج السجلات التجارية والتلاعب بها كما انها تعمل على بيع الورق وهي مافيا متكاملة.
وذهب إلى انهم لا يريدون لجنة ولكنهم يريدون نيابة وشرطة وكشف وحسابات وللمخالف المصادرة والسجن ولو أدى ذلك لعقوبة الإعدام كالصومال من اجل اقتصاد البلاد.
روى وحلول
ويرى وافي انه لابد للدولة أن تضع حلولا ناجعة واتخاذ قرارات حاسمة وأن يتم تفعيل لائحة 2015م التي تخص هيئة الموانئ البحرية وهي غير مطبقة الآن ونحن نرى ان الحل في تطبيقها بالإضافة إلى تغيير كل الكوادر الموجودة واستبدالهم بوطنيين لديهم المقدرة لمعالجة هذه الأخطاء. وكذلك لابد من إيقاف الصادر بشكله الحالي حتى يتم وضع النقاط على الحروف ومعالجة اشكالياته وفق دراسة وتفاكر حول مستقبل الثروة الحيوانية، إذ أن أكبر أكذوبة يعيشها الشعب الآن هي صادر الثروة الحيوانية. فلابد للدولة ان تعمل على إرجاع مؤسسة تسويق الماشية وأن تعمل وفق آليات وبرامج وعمل خطط متكاملة للاستفادة من الثروة التي نمتلكها.
مشكلة مناعة
بالمقابل يؤكد الوكيل الملاحي سراج محمد بأنه لا توجد مشكلة في الناقل بل في الماشية التي رجعت وهي المناعة فقبل ان يتم شحن الماشية هناك جهة للإشراف عليها فهناك رقابة قبلية للتأكد من الباخرة من حيث النظافة والتهوية واشتراطاتهم ثم تأتي الرقابة البحرية للتأكد من صلاحية الباخرة من حيث الماكينات والهوايات .
الصراعات وتدمير الاقتصاد
وعزا كبير مصدري الماشية بالشرق علي ترب عمليات إعادة الماشية إلى الضعف الواضح والخلل في العمليات الفنية والبيطرية وتهالك البواخر وبطء الإجراءات بعد رجوع الباخرة ملاك سابقاً وهي محملة بـ 6500 رأس بسبب ضعف المناعة والجدير بالذكر أن الباخرة وقبل إقلاعها من ميناء سواكن للسعودية كانت نسبة مناعة الماشية قد بلغت 41 في المائة. مما يؤكد أن الخلل يكمن في البواخر التي تشحن بها.
تصريحات كارثية
فيما أرجع عضو شعبة مصدري الماشية حامد وردي لـ»الإنتباهة» أن السبب الأساسي لإرجاع صادر الماشية هو التصريح بحمى الوادي المتصدع فلذلك من الطبيعي من الجانب السعودي الشروع في وضع اشتراطات تجنباً لعدم نقل الوباء لها. وأكد على ضرورة حل لجنة البواخر وإلغاء نظام الصف على أن يكون للمصدر الحرية في اختيار الباخرة التي يراها مناسبة لنقل مواشيه وضمان سلامتها، وقال إن كل هذه الخسائر يتحملها المصدرون بما فيها النقل ذهابا وإيابا مع عدم وجود جهة تعمل على حل هذه المشكلة ولم تقم جهة بزيارتنا لحل هذه المشكلة .
لا حسبان للمخاطر
ويقول الطاهر نعيم أحد مصدري الماشية ان معوقات الصادر تشمل كل من البواخر والمناعة معا. ويرى ان البواخر غير مؤهلة ولا يوجد بها ماء ولا أعلاف للاعتماد على قرب المسافة ولكن قد تحدث مخاطر مثل رجوعها مرة أخرى لذلك لابد أن يتم إصدار قرار يلزم المصدر بوجود الأعلاف على الباخرة. وأردف قائلاً كان الأحرى بالوزارة أن توقف الصادر من أول باخرتين تمت إعادتهما وأن يجتمع الوزير مع أهل الخبرة في ذلك ويتم إشراكنا في القرار. وصرح انهم قاموا بمطالبة الوزير بتكوين لجنة من الدكاترة لفحص المواشي في بورتسودان .
اتفاقية قاصمة للظهر
ويواصل الطاهر النعيم أنهم ومنذ سبعين عاما يصدرون بمناعة 17% وقد قدرت هذه النسبة بدراسات علمية إذ أن هناك العديد من الدول تصدر الآن بمناعة 17% مثل النرويج والهند وغيرهما لذلك كان الأحرى بوزير الثروة الحيوانية عدم الموافقة بها. علماً لو أن الماشية شحنت بنسبة مناعة 80% أو حتى 100% وأخذت في الإبحار 72 ساعة أو 48 ساعة فإن مناعتها تصل إلى دون 25 % . ووصف نظام الصف بأنه نظام خاطئ وقال (لم نسمع بدولة من الدول الأخرى أن حدث وتدخل والي أو وزارة مالية في بواخر مع مصدرين) ، وأشار الى انه يجب على المصدر ان تكون له الحرية في اختيار الباخرة التي يرغب بالتصدير عليها إذ يجب أن يكون هذا اتفاقا بين المصدرين ووكلاء البواخر وان يتم اتفاق المصدر مع الشركة بالنقص او الزيادة وفق ما يتوصلون له بعيداً عن الأطراف الأخرى التي سبق ذكرها.وتابع (لقد أوقفت الصادر على ان تكون العودة وفق وضع مريح ويحفظ لنا حقوقنا) وذكر أن الخسائر كبيرة لا تحصى ولا تعد فمن الخسائر موت اثنين ألف وثمانمائة رأس أي خسارة 60 مليارا لشخص واحد .
الأجنبي والحماية
وأضاف الطاهر أن الناقل كله أجنبي منهم سعوديون ومصريون وسوريون ولو كان الناقل وطنيا يمكن ان نقبل بنظام الصف لكي تستفيد الدولة، ولكن من المؤسف أن تحمي وتساعد الحكومة الأجنبي على المُصدر وفق نظام صف لبواخر متهالكة وغير مطابقة للمواصفات. لذلك يجب أن يعطى المُصدر الحرية في اختيار الباخرة التي تحمل مواشيه حتى يكون على علم بمغادرة الباخرة تجنباً للأكل والشرب الإضافي الذي يتحمله المصدر وتفادياً للخسائر الأخرى. ويرى أن الحلول تكمن في وجود أشخاص مؤهلين في وزارة الثروة الحيوانية لإدارة هذه القضية وعدم وقوع ضرر للصادر وللمُصدر ومراجعة الاتفاقية ووجود لجنة تكون في بورتسودان لفحص المواشي حتى لا ترجع مرة أخرى وتجنب مسببات نفوقها، بالإضافة إلى تكوين مجلس مكون من المُصدرين والجهات ذات الصلة كوزارة الثروة الحيوانية والتجارة والمالية والجمارك والموانئ البحرية .
ناقل وطني
ويرى المدير التجاري لشركة سنجنيب للخطوط السودانية البحرية الكابتن البحري أحمد حسن قرين انه لابد أن تكون البواخر مطابقة للمواصفات لان عمل البحر ملزم بتطبيق المعاهدات وفق الحوكمة الدولية ووفق متطلبات قوانين الدولة، ووصف غياب الناقل الوطني بالمشكلة وانه قد أثر في التنمية ،وبرر عدم تطبيق البواخر للمواصفات لعجز الدولة لتوفير بواخر مهيأة والتي ربما تصل مبالغها لثمانين مليون دولار واصفاً له بالاستثمار الضخم لذلك تم فتح المجال للمحليين والأجانب لان الدولة لها ما يرهقها من توفير الضروريات كالدواء والخبز والكهرباء لذلك السودان يغض البصر عن حالة السفن لعدم وجود بديل، ويضيف: انه لو طبقت المواصفات على البواخر فلن يجدوا بديلا ليعمل على الخط لذلك فالرقابة البحرية تعمل على تطبيق أقل المواصفات لان الدولة في ظروفها الحالية لا يمكن أن يكون لها ناقل وطني. ويقول قرين تم العمل بنظام الصف لان الأرصفة محدودة في ميناء سواكن حيث تم إنشاء لجنة البواخر لتكون محايدة ولتعمل على تنظيم الصادر ولتجنب المشاكل التي حدثت من قبل وأن من حق المصدر فحص الباخرة التي يحمل عليها ماشيته ويرفض النقل بها إذا كانت لا تصلح. وأضاف: إن هذه البواخر هي نفسها التي تذهب لتحمل الماشية من الصومال وجيبوتي إلى السعودية ولا تُعاد لذلك يعزو المشكلة إلى ضعف مناعة الماشية والتحقين. ويقول هناك اتجاه لجعل شركة سنجنيب ناقلا وطنيا لسد فراغ الناقل الوطني .

الانتباهة

Exit mobile version