والسيارات السوداء تدلف مسرعة إلى مبني المخابرات الأمريكية بضاحية لانغلي بولاية فرجينيا كان رجل المخابرات القوي وقتها والذي اختار بذلة سوداء وربطة عنق حمراء يقبع في السيارة الثالثة يجاوره مدير دائرة افريقيا بالمخابرات الأمريكية ،تبادل الرجلان عدة كلمات حاول كل واحد منهما إن يجامل الآخر فتحدث الفريق صلاح قوش بانجليزية لا بأس بها فيما تحدث رفيقه عربية واضحة المخارج بلكنة أهل المغرب العربي ،داخل المبنى قاتم الألوان كانت القاعة الملحقة بمكتب مدير المخابرات تضج بأكثر من عشرون مستشارا كلهم يريد أن يحظى باهتمام الضيف الذي هددت حكومته دولتهم بالويل والثبور وعظائم الامور ،دلف الضيف محييا الجميع تحية واحدة ولو حاول أن يسلم على من بجواره يدا بيد ،الاجتماع الذي ترأسه مدير مخابرات الولايات المتحدة كان أشبه الاستجواب منه إلى الاجتماع الا ان الضيف استطاع بهدوء إن يحيله طاولة مستديرة هو فيها طرف كامل وبقيتها طرف آخر.
بالطبع انعقد اجتماع آخر بين مديري المخابرات حيث حرص كل طرف أن يكون غامضا بدرجة كبيرة.
منذ ذلك التاريخ وحتى إقالته من منصبه حرص صلاح قوش أن يكون ما دار في لانغلي سرا لا يبوح به الا على هيئة إشارات هنا وهناك وربما لم يحط بخمسين بالمئة منه الا لرئيس الجمهورية
بعض الإشارات تدل على أن تلك الزيارة فتحت للرجل بابا آخر إذ أنشأ قوش غداة اقالته شركة تموين غذائية لتموين معظم قوات الولايات المتحدة بالقرن الإفريقي والبحر الأحمر، كما أنه ظل في غموض حتى بعد أن زج به في سجن الهدى حيث رفض الرجل إن يشرب اي معلومة يحرج بها رئيسه لذا فقد آثر البشير إن لا يحشره في زاوية ضيقة بأكثر مما فعل فأطلق سراحه، ومن ثم فحديث عضو الحرية والتغيير عن لقاء قوش بهم و مو ابراهيم باديس ابابا وفتحه الباب لهم للدخول إلى مقر الاعتصام يدل على أن الرجل إنما كان يخدم مصالح الولايات المتحدة بأكثر مما يساهم في الثورة.
شئنا أم أبينا يظل قوش هو الصندوق الاسود للثلاثين عاما الماضية من عمر السودان مثله مثل الراحل عمر سليمان في مصر والذي لم ينتهي خطره على الجميع الا بعد أن (توسدالباردة) والله أعلم.