Site icon المجرة برس

الخرطوم وموسكو.. انفتاح في قبضة الغرب

تثار الاخبار عن روسيا وعلاقاتها السودان أخيراً، وتفيد بأن موسكو ترمي بثقلها لتوطيد علاقاتها اكثر فاكثر مع الخرطوم، واحدث الانباء تشير لنواياها في إنشاء مصفاة نفط، ومن قبل جرى الحديث عن قاعدة روسية بحرية في البحر الاحمر، فما الذي تخبئه كنانة الدب الروسي لخرطوم النيلين التي تمر بضائقة اقتصادية عصيبة ومخاض عسير في انسياب علاقاتها مع العالم الغربي، فضلاً عن تثبيت اركان حكمها الجديد؟ وهل يؤثر الانفتاح السوداني على الغرب في تطور علاقته مع روسيا سلباً ام لا؟
اوردت الزميلة (الوطن) امس ان روسيا تتجه لإنشاء مصفاة لتكرير النفط الخام في السودان بطاقة إنتاجية تبلغ (400) الف برميل في اليوم. ومعلوم بطبيعة الحال الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ نحو عامين، ومن ابرز تجلياتها ازمة الوقود الخانقة التي تمر بها البلاد. فالمحاولة الروسية لمد يد العون في ازمة الوقود لا تعد الاولى من نوعها، في ما يتعلق بمحاولة موسكو التقرب من الخرطوم، فقد سبق في الاسبوع الثاني من نوفمبر الجاري ان اعلنت موسكو عن عزمها إنشاء قاعدة بحرية في السودان لتزويد أسطولها بالوقود، بحسب ما جاء في مسوّدة اتفاق مع الخرطوم صادق عليها رئيس الوزراء.
ووفقاً لـ (اسكاي نيوز) تنصّ الوثيقة الأولية على إنشاء مركز دعم لوجستي في السودان يمكن من خلاله تأمين تصليحات وعمليات التزويد بالوقود واستراحة أفراد طواقم البحرية الروسية.
وسبق للرئيس المعزول عمر البشير في نوفمبر 2017م ان بحث في موسكو مسألة إنشاء قاعدة عسكرية لروسيا في البحر الاحمر، وقال في حديث أجرته معه وكالة الأنباء الروسية العامة «ريا نوفوستي»، إنه بحث خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إقامة قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، كما طلب تزويد الخرطوم بأسلحة دفاعية لتحديث الجيش السوداني.
المتحدث الاسبق باسم وزارة الخارجية خالد موسى وصف العلاقات السودانية الروسية بالقديمة، منذ النظام السابق الذي دعا إلى شراكة إستراتيجية مع روسيا في ظل العلاقات المتوترة مع الغرب في ذلك الوقت، واضاف في حديثه لـ (الإنتباهة) ان ذلك كان محاولة لحماية السودان ضد التهديدات الغربية، لكن اعمق انواع العلاقات بين الدول ليست هي التي تمس الجانب الاقتصادي، وانما تلك التي تتعلق بالتعاون العسكري، لأن الترسانة العسكرية التي يمتلكها السودان روسية الصنع، ولم يحدث اي تحول في انظمة التسليح السوداني، نظراً للعقوبات المفروضة على السودان التي حالت بينه وبين استيراد السلاح من الغرب (امريكا الشمالية واوربا)، لذلك فإن الخرطوم انفتحت اكثر على روسيا، وبالتالي فإن مصلحة السودان في الجانب العسكري ظلت مرتبطة مع روسيا لفترة طويلة، ومن ذلك التوقيع على عدد من الاتفاقيات في الفترة الماضية، بحيث يتم تحديث ترسانة السلاح في السودان، وحتى ما تسمى منظومة التصنيع الحربي تقوم على تكنولوجيا روسية بدرجة كبيرة جداً . وقال موسى ان الاتفاق المبرم بين البلدين ليس إنشاء قاعدة روسية في السودان (لا تمتلك تسليحاً ولا تنشر فيها منظومة اسلحة)، انما هي ميناء مؤقت لخدمات السفن الحربية، الا انها تعمق التعاون العسكري بين البلدين.
وفي ما يتعلق بتوقيت التقارب الروسي مع السودان في الوقت الراهن، نوه السفير موسى بأن مقترح ميناء الخدمات قديم عبر التوقيع على عدد من الاتفاقيات العسكرية، ويتم تنفيذ جزء منها حالياً، فهي ليست اتفاقية جديدة.
وقال ان القيادة العسكرية والسياسية الجديدة امتلكت الارادة لتمضي قدماً في تنفيذ هذه الاتفاقيات، ولكنه عاد وتوقع بانه وفي ظل الانفتاح الغربي وتطبيع العلاقات مع اوروبا والولايات المتحدة ربما لا تحظى عملية التعاون العسكري مع روسيا بالدعم والحماس من الولايات المتحدة والدول الغربية. وذكر موسى ان ميناء الخدمات الروسي في بورتسودان لا يمثل تهديداً لامن البحر الاحمر او دول الجوار مثل مصر والسعودية، فليس خافياً ان منطقة البحر الاحمر تشهد سباقاً كبيراً للتسلح، فالبحر الاحمر به ثلاث عشرة قاعدة عسكرية للدول الكبرى، كما ان حرب اليمن اضافت له ابعاداً عسكرية جداً، اما السودان فآخر مناورات عسكرية دولية له كانت هي مناورات النجم الساطع مع الولايات المتحدة في بورتسودان على البحر الاحمر في عام 1982، فلم يحدث اي تعاون عسكري مع دول كبرى في منطقة البحر الاحمر، إذن فالسودان يقبل على خطوة كبيرة في التعاون مع روسيا في مجال ميناء الخدمات، وقال ان الميناء يقدم حماية لشواطئ السودان ويمثل تعاوناً عسكرياً اكبر بين البلدين، وتحديث منظومة الدفاع والانظمة القتالية السودانية .
الخبير الاستراتيجي راشد محمد علي اشار إلى ان الاهتمام الروسي بالسودان يعود إلى الصراع الإستراتيجي الكلي في منطقة الشرق الاوسط بالتركيز على السودان، على خلفية موقعه الإستراتيجي باعتبار حجم المنافسة الكبير بين الولايات المتحدة الامريكية والصين تجاه السودان، وفي ما يختص بالابعاد الاقتصادية مستقبلاً، لذا فإن التدافع الروسي الكبير تجاه البلاد يظهر من خلال الاهتمام الكبير بالمنطقة، من حيث حماية وتأمين المصالح الروسية الإستراتيجية في المنطقة، من خلال إيجاد موطئ قدم للسفن الحربية الروسية في المياه الاقليمية بالبحر الاحمر، واضاف في حديثه لـ (الإنتباهة) ان كل ما سبق مقرون مع مستقبل العلاقات السودانية الروسية والعلاقات السودانية الامريكية والصينية، وهذا يشير لاهتمام العالم بالسودان عقب تغيير نظام الحكم، مما يدل على الانفتاح الكلي للمجتمع الدولي على السودان، فروسيا تتقرب للسودان، وعلى الحكومة السودانية ان تحسن استقبال كل الفرص الخارجية، لجذب عناصر الامن الاقليمي والدولي إليها ليكفل مؤشر الامان لها.
وفي ما يتعلق بقضية المحاور(امريكا ومصر ودول الخليج بموازاة روسيا وتركيا وقطر)، قال محمد ان الخرطوم ورثت العديد من الإشكالات، خاصة ان المحاور نشأت لاسباب ظرفية خاصة بالاقليم (اطماع، نزاعات وحروب)، لكن الواقع يشير إلى ان على السودان ان يتعامل مع كل الموجودات الظرفية بالاقليم في ما يلي مصالحه مع تصفير حالات العداء الإقليمي، ويتعامل مع المصالح الكلية للمجتمع الدولي وفقاً لمصالح السودان، بتعلية قيمة المصالح السودانية وتصديرها في إطار الشراكة مع الدول وليس المحاور، وذلك لأن تبني سياسة المحاور تضعف مجال الدولة المعنية في الإقليم الموجودة فيه .
وملاحظ ان الاهتمام الروسي بالسودان تجلى بوضوح عقب تفاهمات التطبيع التي تمت بين السودان وإسرائيل بواسطة امريكا. وفي ما اذا كانت للأمر علاقة بالبحر الاحمر قال محمد ان البحر الاحمر يحكمه رصيد التجارة العالمية التي تمر به، لذلك فإن منطق تأمين المصالح الاقتصادية لروسيا اولوية، بجانب تأمين المصالح الإستراتيجية .
ولفت إلى ان هناك جانباً آخر متعلقاً بأبعاد الوضع في السودان بعد التغيير، من حيث السياسات الداخلية وامتداد السياسة الداخلية للخارج، ومن ثم تغيرت بنية الدولة في الفكر الإستراتيجي المتقدم من مجموعة الدول المتنافسة على منطقة الصراع الاستراتيجي في المنطقة .

الانتباهة

Exit mobile version