” عبدالحكيم الطاهر ” أخذ نوار مسرحنا ورحل
” فيا قمم الردى لوحي ”
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
وقال سيدي ” مصطفى سند ” :
” فموتوا أيها الأحرار وانتظروا النعيم ،
وانفاس الرضا ، ومشاتل الغار … !! ”
وفي أخرى :
” من يصادر آهة خضراء تشهق في منابتها ويخشاها ؟ ” .
إنه ” الزمان ” وأهواله .. وقد رووا أن زياد بن أبي سفيان جلد رجلا ، وذهب بعضهم إلى أنه ضرب عنقه لأنه سب الزمان !
وقال لا تسبوا الزمان . الزمان هو ” السلطان ” .
والزمان ” أعوج ” أو ” عدل ” كما هو عند شاعرنا الشعبي ” الحاردلو ” :
” كم شويم لهن وقت عدال أيامي
شيخ ” الأتبراوي ” وماشي فيهو كلامي ” .
والمعنى نفسه نجده عند ” وليم شكسبير ” وقد قال :
The joint time is out of
ويعني أن الزمان ” عليل ” أو مختل ..
والمشاع عندنا أن الزمان ” رديء ” والكلمة تأخذ من معنى ” الردى ” ..
وهذا المستوى من المعنى في تقديري هو ما قصده الحاردلو أو شكسبير .
إذ أنك تعدل المعوج – كما قال الطيب صالح – وتطلق الأسير وتشفي العليل ، ولكن ماذا بوسعك أن تصنع مع ” الردى ” ويتجلى السؤال نفسه عند المتنبي :
” هبيني أخذت الثأر فيك من العدى
فكيف يأخذ الثأر فيك من الحمى ”
وفي السودان لنا حزننا الشجاع في مواجهة الردى ..
إذ نجد أروع ملاحمنا أو غنائياتنا كتبت لمن ” كانوا يتساقطون واحدا إثر واحد دركا ،
بعد حياة كرست لمحبة الناس ، وإسعاد الناس ، وكف الأذى عن الناس ، في صمت وإنكار ذات .
فعملهم اليومي وطنية وعبادة ، وحياتهم العادية بطولة وتضحية ، ومصائرهم موصولة بمصير الشعب ” .
وبتلك الكلمات قدم صلاح أحمد إبراهيم أحتفاليته بالمنايا في قصيدته ” نحن والردى ”
والتي قال عنها الأديب الراحل ” علي المك ” :
” إطلعت على هذه القصيدة ‘ نحن والردى – منذ بضع عشر سنوات ، زمانا في عهود السبعين العجاف ، قرأتها، مرة ومرة ومرة ، فإذا كل تارة بريقها جديد ، وهي على حزنها الشجاع قصيدة متفائلة ” .
و ” الحزن الشجاع ” هذا المعنى على وجه الدقة .. هو ما تملكني صبيحة اليوم الأول من شهر يناير 2021م ..
وأنا أطالع مدونة صديقي العزيز ورفيقي المخرج الفنان الدكتور ابوبكر الشيخ على حائطه الخاص في ” الفيس بوك ” وهو ينعي لأهل السودان موت معلمنا الأستاذ الفنان المسرحي الشاهق السيرة ” عبدالحكيم الطاهر ” ..
وهتفت داخل نفسي :
” ولئن كنت كما أنت عبق فاحترق ” …
” وأمان الله منا يا منايا ..
كلما اشتقت لميمون المحيا ذي البشائر شرفي
تجدينا مثلا في الناس سائر
نقهر الموت حياة ومصائر ” .
وجال بخاطري القول السوداني القح :
” يا طير ان مشيت سلم على الأمات
وقول ليهن وليدكن في الحياة وما مات ”
فمعلمنا عبدالحكيم الطاهر لم يأخذ زهور كلية الموسيقى والدراما ويرحل ، فحسب بل أخذ نوار المسرح السوداني ومضى …
فهو رحمه الله ، كان كالغيث في أروقة الكلية وعلى خشبات المسارح في السودان كله ، أينما نزل نفع .
كان تجسيدا حيا وموحيا لقيم الإلتزام بأخلاقيات المهنة ” مدرسا ” أو مبدعا في جغرافيا الإبداع الفني ، المسرح والإذاعة والتلفزيون يمشي بينهما جميعا طولا وعرضا .
كان عبدالحكيم الطاهر ، شعبة من المحامد ونموذجا رفيعا ومتميزا للفنان الملتزم بجوهر وظيفة الفن ومعلم التمثيل القدوة الجدير بتلاميذه على أن يحتذوا أثاره ويتبعوه .
فهو العصامي الذي كون شخصيته بنفسه ، ولا أحد غيره ..
وعندما إلتحقنا للدراسة في المعهد العالي للموسيقى والمسرح وفي أول سنتنا يقف أمامنا محاضرا ويبدأ بحكايته مع العلم والدراسة ..
وكيف أنضج نفسه حتى بلغ درجة وظيفة تدريس فن التمثيل والإخراج ..
إذ تتلمذ في فصل ” محو الأمية ” الخاص بمصنع النسيح السوداني الذي كان يشتغل فيه عاملا ، وهو صبي بلغ سن السابعة عشرة من عمره ،،،
ثم تنقل من مرحلة تلو المرحلة ، حتى أكمل جميع مراحل التعليم العام ونال إجازة الشهادة الثانوية السودانية التي تأهل بها للإلتحاق بالدراسة الجامعية في المعهد العالي للموسيقى والمسرح ، والتي دفعه إليها الرائد المسرحي المعلم الفكي عبدالرحمن مدير المسرح القومي ومفترع المواسم المسرحية في السودان .
عبدالحكيم الطاهر ، كانت حالات الزمان عليه شتى وظل هو على حاله واحدا في كل تقلبات الأحوال والظروف .
لم يبطره ما وصل إليه من نجومية ، كما لم يحد من عزيمته عسر الأحوال من قبل …
عالي بإنسانيته ، يؤدي واجبه وكل أعماله بتواضع جم وصفاء وصدق مع نفسه ، كان بسيطا معنا ونحن عهد التلمذة ، وكذا في عهد زمالتنا له في التدريس ، ألوفا ومتواضعا وكريما وشهما وشجاعا وعفيفا وطاهرا ومنصفا ومفاخرا بنا في أي محفل وجدنا فيه ويقدمنا بأجمل العبارات …
” الزول ده علمناهو نحن المشي على خشبة المسرح .. وطريقة الكلام ومواجهة الجمهور ” …
ويضحك ونضحك ويضحك الناس من حولنا ،
هو عبدالحكيم الطاهر أو ” كابتن كابو ” في ” نقابة المنتحرين ” ..
وتلك بعض شمائل شخصيته التي أجتذب بها مشاعرنا ووطأت له أكناف الرضى والقبول في أنفسنا والناس أجمعين وبوأته منازل المحبة في قلوبنا .
مماثلا قول الرسول عليه الصلاة والسلام ” أقاربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ” .
وإننا لنشهد أن عبدالحكيم الطاهر كان سمح النفس ، بسام العشيات الوفي للعهد ، حليم وعف …
وحقا .. ” ما علينا إن يكون حزنا فللحزن ذبالات مضيئة ..
أو يكن قصدا بلا معنى
فللمرء ذهاب بعد جيئة
أو يكن خيفة مجهول
فللخوف وقاء ودريئة
من يقين ومشيئة ..
فهلمي يا منايانا جحافل
تجدينا لك أنداد المحافل
ولنا صبر على المكروه – إن دام – جميل .
اللهم أغفر لميتنا عبدالحكيم الطاهر فإن مغفرتك أوسع من ذنوبه وارحمه فإن رحمتك أرجى عنده من عمله …