Site icon المجرة برس

عثمان ميرغنى يكتب: قَبَلي

و للأجيال الحديثة التي لم تعرف لعبة “البِلِّي” لأنها جاءت في عصر “البلي استيشن”.. الكلمة في العنوان تنطق “قَبلي” بفتح القاف وتعني ” في مكاني”.. ويقولها اللاعب في “البلي”إذا جاء دوره لكنه يفضل أن يتنازل عن فرصته ويبقي في مكانه دون حركة. ويفعل اللاعب ذلك عندما يكون وضعه الذي هو فيه أفضل ولا يرغب في تغييره خشية أن يفقده. الآن.. المشهد السياسي السوداني كله تقريباً، في حالة “قَبَلِي”!! ومن هنا وُلِدَت الأزمة التي نكابدها، ومن هنا ستُضرب الفترة الانتقالية في مقتل.. في المشهد السوداني الآن، في الحكم ، فريقان.. الأحزاب المتحكمة: وهي الأحزاب التي تجلس الآن في قمرة قيادة قطار الحكم.. وتدرك أن أي حديث عن توسيع دائرة المشاركة في الحكم ستكون خصماً على مكاسبها و قبضتها. الأحزاب الحاكمة: وهي الأحزاب التي صعدت إلى قطار الحكم لكن في عربة الركاب، وتدرك أن بقاءها في قطار الحكم رهن بدعمها للأحزاب المتحكمة التي تقود قطار الحكم “سيد الكرة”.. وفريق ثالث: من الأشخاص الذين لا يندرجون تحت قوائم الأحزاب لكن معادلات الأمر الواقع والسياسة صعدت بهم إلى قطار الحكم ويخشون من أي تغيير في هذه المعادلات قد يفقدهم المقاعد التي هم فيها. كل هؤلاء يفضلون أن تظل الأوضاع في السودان في حالة “قبلي” لأن أية تغييرات تعيد صياغة معادلة جديدة للحكم، قد تغير قمرة القيادة والركاب. لكن في المقابل الراهن الآن سياسياً واقتصادياً وأمنياً في أسفل سافلين وإذا استمرت الأوضاع في حالة “قبلي” قد تعرض البلاد ومستقبلها كله – وليس الفترة الانتقالية وحدها – إلى خطر عظيم. المحك هنا والمفاضلة تضع الحظوظ والمكاسب الحزبية الضيقة في مواجهة مباشرة مع المصالح القومية.. فإما أن تتحرك البلاد من أجل التغيير الحقيقي لصناعة مستقبل مشرق أو تُحبس في مربع “قبلي” الذي يفرضه اللاعبون السياسيون الممسكون بمقاليد الحكم ويخشون من أي حديث عن التغيير أو حتى الحلول التي قد تتطلب إعادة هيكلة الأوضاع.. وفي هذا السياق: يصبح استمرار وجود الدكتور عبد الله حمدوك في رئاسة الحكومة ليس مجرد حسابات ترتبط بمصلحة البلاد بل بالمحافظة على حالة “قبلي” التي ترسخ بقاء قمرة القيادة في قطار الحكم كما هي.. بكامل حمولة الأحزاب المتحكمة والأحزاب الحاكمة معاً.. فأي حديث عن تعديل في المنصب الأول لمجلس الوزراء قد يجر وراءه معادلة جديدة للحكم إما أن توسع المشاركة فيصعد إلى قمرة القيادة قادمون جدد يشاركون في اتخاذ القرار، أو قد تطيح بالأحزاب المتحكمة والحاكمة لصالح مجموعة سياسية أخرى تعتلي المشهد وصناعة القرار.. أشبه بفريق كرة قدم يعتزم المحافظة على نتيجة المباراة كما هي ، فيلعب في منتصف الملعب ويشتت الكرة ويركلها مراراً إلى خارج الملعب حتى يحافظ على حالة “قبلي”. لا سبيل لحل أزمات السودان أو الانطلاق لمستقبل جديد إذا ظلت المصلحة الحزبية في كفة مقابلة للمصلحة القومية.. فالساسة لا يتعلمون من الماضي، المشهد ذاته تكرر بعد كل ثورة شعبية عظيمة.. طموحات وآمال عريضة تطويها أطماع ضيقة..

صحيفة التيار

Exit mobile version