بثت قناة (طيبة) المملوكة لجماعة الأخوان المسلمين والتي يديرها عبد الحي يوسف لصالح الجماعة من مقره في تركيا، حوارا لعلي كرتي، كادر الحركة الإسلاموية وتاجر الاسمنت والحديد والصلب، إذ يمثل الحوار تدشينا لعودة الجماعة للعمل من الداخل علنا بعد إنقلاب 25 أكتوبر من العام الماضي الذي أعاد سيطرة الجماعة على مفاصل الدولة مجددا وإرجاع كل ممتلكات وأموال بلادنا المنهوبة إلى قيادات الجماعة بعد أن تمت مصادرتها من قبل لجنة أزالة التمكين.
لكي يضفي المحاور على زعيم الجماعة شيئا من القداسة أطلق عليه لقب الشيخ، وكرتي كان مرتبا لهذا اللقب عبر “عِدة الشغل” من إطلاق اللحية والعمامة والجلباب الأبيضين. ولكن شعبنا يعلم علم اليقين أن تحت جبة كرتي يربض أحد بارونات المؤتمر الوطني وتاجر أسمنت وحديد صلب كبير، ولا مقارنة بينه وبين الشيخ والصوفي الراحل الحلاج أو أبن عربي والبرعي الذين مثلما أتوا إلى الدنيا خرجوا منها فقراء إلا من حب الناس لهم.
كنت أظل- وليس كل الظن إثم- أن تاجر الأسمنت والحديد سيكون أفضل حالا من غندور وأمين وغيرهما من بارونات المؤتمر الوطني في نقد تجربة الجماعة في الإنقلاب على حكومة منتخبة ودورها في تقسيم الوطن والإبادة الجماعية في دارفور، وجبال النوبة/جنوب كردفان، والنيل الأزرق، وبيوت الأشباح، ولكن شيخ الأسمنت والحديد لم يستطيع بيع نبيذ الحركة الإسلاموية في قناني جديدة بل حاول جاهدا بيع نفس النبيذ القديم وفي نفس القناني القديمة عبر هجومه على تجربة حكومة الثورة بقيادة حمدوك واتهامها بالفساد وإفساد اخلاق الناس !!! فتأمل يا رعاك الله! وزادنا كيل طن من أسمنت الجماعة وكيف كنا لجماعته الضلع الأكبر في تهذيب أخلاق الناس! . حسنا يا شيخ الأسمنت؛ في 28 مايو 2012، نشرت صحيفة (حريات) إحصائية حكومية من مجلس التخطيط الإستراتيجي بولاية الخرطوم شمل الفترة من 2007 إلى 2010 كاشفا النقاب عن استقبال دار المايقوما للأطفال مجهولي الأبوين من طفلين إلى ثلاثة أطفال يوميا! هل هذه الأخلاق التي تتشدق بها يا أمير الجماعة؟! أما في معايير الفساد والشفافية الموثوقة دولياً مثل منظمة الشفافية الدولية فقد حل حكومته في معايير الدول الأكثر فسادا رقم 173 من 178 دولة لاعوام عديدة، ولم ينفاسها على اللقب سوى دولا مثل العراق والصومال. فعن أي صلاح وفلاح يتحدث شيخ الحديد والصلب؟! هذا غير سجلات حقوق الإنسان والإرهاب وغيرها من الموبقات.
ذكر أيضا أمير الجماعة كرتي أن حكومة الثورة أفسدت ولكنه لم يذكر حالة فساد واحدة. شيخ الأسمنت في 21 يوليو 2011، أجرت صحيفة (الشرق الأوسط) حوارا معه إذ كان وقتذاك يشغل منصب وزيارة الخارجية، سُئل عن قضايا الفساد وفساده شخصيا واحتكاره لتجارة الأسمنت وكان رده نصا : “أولا، الثراء ليس تهمة أنفيها، وآمل أن يزيدني الله ثراء.” مع العلم أن القوانين السودانية والدولية تمنع شاغلي المناصب الدستورية من الجمع بين المنصب العام وإدارة أعمال تجارية خاصة نظرا لتضارب المصالح وحتي لا يتسغل أحدهم المنصب العام للمنفعة الخاصة عبر التجارة ولكن أمير الجماعة والمتعافي وعبد الرحيم محمد حسين ومعظم بارونات الفساد من الجماعة ولغوا في المال العام. وقامت لجنة إزالة التمكين بنزع أكثر من 500 قطعة أرض في ولاية الخرطوم من كرتي، فعن أي أخلاق يحدثنا كرتي؟! .
الغريب في الأمر عندما سُئل كرتي عن ثورة ديسمبر المجيدة قال أنه توقع ذلك ونصح (أخوانه في الله) ولكنهم يستمعوا لنصحه. وعندما فأجاءه المحاور أنه لم ينتقد أخوانه علناً رد بأنه نصحهم خلف الغرف المغلقة!! وزاد أنه عندما أجتمع بهم جميعا في حضرة الرئيس “قالوا لينا الزموا الصمت” !! ألم تسمع يا أمير الجماعة بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس؟! وهل يصلح شخص لقيادة دولة أو قرية إذ كان يتم إسكاته عن قول الحق بتلك الطريقة؟! خضع أمير الجماعة لأخوانه لانه لا يستطيع الجهر بالحق وحساباته البنكية مليئة بأموال السحت من أحتكار تجارة الأسمنت والحديد وأخوانه في الله يعلمون ذلك جيدا. والغريب في الأمر قوله أن أعتصام القيادة والمظاهرات لم تكن تستدعي انحياز اللجنة الأمنية للبشير لصوت الشعب!!! نفس المكابرة وعمي السلطة والأسمنت الذي أصاب رئيسه المخلوع وصحبه عن رؤية الحقيقة الساطعة أن التغيير قام به الشعب وما قامت به اللجنة الأمنية لم يكن سوى نزولا عند رغبة شعبنا. حاول أمير الجماعة أخفاء غضبه تجاه قيادة المكون العسكري بعد التفاهمات التي جرت بينه وبينهم بعد إنقلاب أكتوبر الذي سمح بعودة (الكيزان) لمواقعهم في السلطة مجددا ورد الأموال المصادرة إليهم والسماح لهم بممارسة نشاطهم علنا، وبل يري كرتي أن إنقلاب البرهان وصحبه تأخر كثيراً !! . الغريب في الأمر أن قيادة المؤتمر الشعبي في السجن أجرت مراجعات نتج عنها رفض الحزب للإنقلاب العسكري ووقوفه ضده بينما أمير الجماعة لا زال يري أن الخير كله في الإنقلابات وحتي عودة جماعته إلى القصر ممكنة. حسابات شيخ الأسمنت وصحبه بسيطة إذ أنهم عمليا مسيطرون على مفاصل الدولة ولا حاجة لهم بالإنقلاب على البرهان وحميدتي، وستكون خططهم القادمة وبالتعاون مع المكون العسكري في الوصول لإنتخابات سريعة وصورية للعودة مجددا للسلطة تحت لافتة جديدة لاسيما أنهم سيطروا على مفاصل الدولة والأموال المنهوبة ردت لهم.
ذكر أمير الجماعة في اللقاء أنه على الرغم من كونه لم يكن يشغل منصبا في الجماعة أو الحكومة- التي طوى شعبنا صفحتها- ولكنه كان بمكالمة واحدة تأتيه كل التقارير، الأمنية بالطبع، وهي معلومة ليست جديدة ولكنها تتطابق مع ما ذكره الفريق هاشم عبد المطلب رئيس هيئة الأركان الأسبق عند التحقيق مع بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة أن رئيسه في التنظيم شيخ الأسمنت طلب منه عدم القيام بإنقلاب ليس لعدم إيمانه بالإنقلابات ولكن لحين توفر الظرف الملائم، ومعلوم أن كادرات الحركة الإسلامية التي عادت لمواقعه في أجهزة الدولة العسكرية والأمنية تأتمر بأمر شيخ الأسمنت.
أكد اللقاء أن شيخ الأسمنت والحديد والصلب لم يراجع نفسه أو تنظيمه وإجراء النقد اللازم لتجربة الجماعة في الحكم بل أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن عقيدة الجماعة لم تتغيير في الوصول إلى الحكم عبر الإنقلابات وعدم الأيمان بحقوق الإنسان واتاحة الحريات والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة بعد فشل تجربة الجماعة في الحكم عبر الحديد والأسمنت والنار! وخلاصة الأمر أن شيخ الأسمنت وصحبه لا يصلحون لقيادة الحركة الإسلاموية لاسيما وأنهم يمثلون رموزا لفساد الجماعة، وعلى شباب الحركة الإسلاموية إن أرادوا لهم وللحركة مستقبلا في بلادنا إزاحة شيخ الأسمنت وصحبه من واجهة الجماعة وإجراء مراجعات شاملة لعقيدة ومرتكزات الحركة الإسلاموية وتقديمها في ثوب جديد عنوانه خلق قطيعة تامة بين ماضي الحركة وايمانها بالإنقلابات العسكرية والوصول إلى السلطة والتنكيل بالخصوص وإدعاءات كونهم يمثلون ظل الله سبحانه وتعالى في الارض. ولابد لتلك المراجعات أن تؤكد على مبادىء التداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان والحريات العامة ودون ذلك لن يكون لهم وجود في أرض السودان.
fataharmans@gmail.com