ما إن تنطفئ قصص الحزب الجمهوري السوداني والتي طفت على السطح بعد 30 سنة من الغياب حتى تشتعل من جديد. ما بين مؤيد ومعارض لحزب الجمهوريين ومجرد فضوليين يرغبون في معرفة مَن هم ولماذا يثيرون كل تلك الضجة وعلى أرض الواقع بعد حادثتين متقاربتين، أولها تكفير الإسلاميين لهم علناً على مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر وذلك بعدما أطلقت وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي دوري كرة القدم النسائية الشهر الماضي، فاتهمها رجال الدين بالردة واعتبروها من أصحاب الفكر الجمهوري الذي تم تكفير زعيمه محمود محمد طه قبل أكثر من 30 سنة وأُعدم بتهمة الردة، والثانية عندما اقتحم أحد المتشددين معرض الخرطوم الدولي للكتاب وحطم قسم الحزب الجمهوري ومزّق الكتب وكفّر رواد القسم.
أسس الأستاذ محمود محمد طه مع نخبة من المثقفين السودانيين الحزب الجمهوري في عام 1945، وكثّف الحزب مقاومته للاستعمار الإنجليزي وطالب بجمهورية فيدرالية ديمقراطية اشتراكية، خلال تلك االفترة اعتُقل محمود مرتين، في الأولى دفاعاً عن قضية الجنوب ومطالبته بحقوق الجنوبيين في المساواة مع الشماليين، والثانية في دفاعه عن امرأة أعتُقلت لختانها ابنتها، واستغل محمود هذه الحادثة لإثارة حماسة الشعب ضد المستعمر على الرغم من أن الإنجليز ضد عادة الختان الفرعوني، فاعتُقل لمدة سنتين وكان بذلك أول سجين سياسي. بعد إطلاق سراحه، مكث في خلوة يتعبد لله وخرج بدعوته لتطوير التشريع الإسلامي من فروع القرآن ليواكب تطور المجتمع ولحل القضايا التي تواجه الإنسان المعاصر.
أصبحت الفكرة أيديولجية وثّق لها محمود مصنفات ألّفها هو وتلاميذه الذين يُطلق عليهم اسم “الإخوان الجمهوريون”.
نُفُذ حُكم الإعدام شنقاً على محمود محمد طه في يناير 1985 بعد اتهامه بالردة، وتم حظر نشاط حزبه ما أدى إلى تشتت أبناء الحزب في العالم.
أسماء محمود محمد طه إبنة محمود طه، قالت لـ “اندبندنت عربية”، في معرض حديثها عن مستقبل الحزب الجمهوري، “مستقبلنا واعد، بالإطلاع على المؤلفات والحوارات التي بدرت من هذا الجيل الواعي مذهلة، ندعو إلى تكثيف المنابر الحرة والدعوة إلى الحوار حول كل الأفكار وبهذه العملية سيصل الشعب السوداني إلى الرؤى التي يراها مناسبة معه والتي تخاطب قضاياه وتجد له الحلول، الفكرة الجمهورية شُوهت من خصومها ولم يجد معتنقوها فرصة للتصحيح طوال فترة 30 سنة الماضية”. وأضافت “الإسلاميون دعاة الإسلام السياسي ومَن سار في ركبهم، جميعهم طلاب سلطة يستغلون الإسلام للوصول إليها والبقاء في كراسي الحكم أطول فترة ممكنة، هم يعلمون أن أكبر مَن يسحب البساط من تحت أرجلهم هم الجمهوريون. ولذلك جاء عداؤهم للجمهوريين بما يستندون إليه من فهم مستمَد من التصوف والتسامح الذي يقف ضد التطرف ومن معرفتهم بالقرآن واستعداده إلى استيعاب طاقة وحاجة الإنسان المعاصر، نحن نقول إن نظريتهم خطأ عبر التطبيق ونبرهن على ذلك بالقرآن والحديث. هم حريصون على الاستمرار في تجهيل الشعوب للبقاء في السلطة والفساد والاستمتاع بالخيرات على حساب الشعب، يرهبونه باسم الدين ليصمت عن النقد ويرضى بالجوع والإذلال، نحن نحرص على التوعية والحوار حتى يتضح الطريق إلى الإصلاح، وحتى ندفع بقضايا الحريات لمنصة التفكير، الجمهوريون مدينون للشهداء والجرحى والمفقودين ولثوار ديسمبر لما قدموه لنا من حرية وسلام وعدالة”.
صراع بين الجانبين
من جهة ثانية، قال الأستاذ في “جامعة أفريقيا العالمية” إسماعيل الحكيم إنه “طبيعي أن يكون الصراع بين الإسلاميين والجمهوريين لأنه صراع بين الحق والباطل، الفكر الجمهوري معلوم للناس بتوجهاته وما يدعو إليه ينافي جوهر الدين والعقيدة السليمة، ادّعى محمود بأنه رسول الله وهذا شذوذ واضح وانحراف صريح سنحاربه بالفكر، وهذا واجبنا فالدين أمرنا بذلك، والرسول قال من رأى منكم منكراً فليغيره، إقبال الشباب للقسم لا يعني قبوله ربما مجرد فضول، نحن نتابع في السوشيل ميديا لا يوجد أي إقبال للفكر الجمهوري والمجتمع السوداني يحاربه في كل مكان”.
حرب مرتقبة ..
صراع كبير في صفحات التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد للجمهوريين ومعارضٍ لهم، في ظل حكومة تكفل الحريات للجميع، سيدخل الطرفان في صراع مستمر وصفه الإسلاميون بـ”صراع الحق والباطل”، خصوصاً أنهم يعتقدون أن كل جمهوري مرتد يستحق القصاص، وهذا مؤشر إلى اندلاع حروب تحت راية الدين قد تجر البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه بحسب كثيرين، إذ لم تتعامل الحكومة معها بحرص، فبعد حادثة المعرض كتب ناشطون “اليوم تمزيق الكتب وغداً تفجير المكان تحت ذريعة حماية الدين”.