الخريف بين ضعف الأداء الحكومي وخطل التخطيط
بعد أن استدبرنا فصل الصيف بشمسه الملتهبة الحارقة ونهاراته الطويلة القائظة وسمومه الحارّة، نستقبل هذه الأيام طلائع فصل الخريف هذا الموسم الذي دائما يجعلنا على المحك في اختيار ما قدمنا له من استعدادات، وفوق ذلك يكشف حالنا مع العالم الخارجي وهو أطول فصول السنة في السودان تتخلله «البهدلة» والمعاناة وكشف الحال، أراوح تزهق وبيوت تتهدم وقرى بأكملها تجرف بسبب عنفوان الفيضانات وما تفعله بنا، ونجي نقيف في الدارة وسط الدارة وفي خضم هذه المأساة نغني ظلموني الناس .. اقصد «عجبوني أولاد الأهالي عجبوني وسرو بالي طول الليل واقفين سواري ترسو البحر بالطواري وما شالونا باللواري» وديك يا الفزعة والهِمة والنفرة الكبرى وفي حقيقة الأمر نحن خلال عام كامل لم نحضِّر شيئا يذكر لفصل الخريف.
منذ استقلال البلاد في كل عام تنتظر حكومتنا الموقرة فصل الخريف بفارغ الصبر ليفيض النيل وتقع محنة وتستعطف دول المنطقة لتلقي الإغاثة والإعانات، كل ما تفلح فيه عندما تهب الرياح الجنوبية الغربية التجارية وتفوح رائحة «الدعاش» إيذاناً ببدء فصل الخريف تحرك ألياتها المتهالكة من داخل المحليات لتطهير المجاري وتسوية الردميات يصاحب ذلك إعلام صاخب يزف السيد الوالي والمعتمد للوقوف على استعدادات الخريف والتأكيد بأن العاصمة والولايات جاهزة لموسم الأمطار، وما أن تهطل مطرة واحدة حتى تكشف المستور وتغرق العاصمة والولايات في شبر مياه ونعيد تداول الاسطوانة المشروخة المتمثلة في سوء التصريف والتخطيط غير السليم والصرف الصحي والسطحي.
لم تكلف حكومتنا النائمة طوال عام كامل قبل الخريف برصف كيلو متر واحد او تعبيد مجرى ليصرّف مياه الأمطار حتى لا نغرق نحن ومركباتنا في لجة من الأوحال بينما جميع الأموال التي تدُرّها الدولة تجنب وتصرف في غير موضعها، مسؤولون لا همّ لهم سوى ارتداء البدلة الأنيقة والتوجه إلى مكان الفيضانات ليشمروا عن ساعدهم في خوض المياه والتقاط الصور مع المتأثرين من السيول .
معظم دول منطقتنا يحولها الخريف الى جنة نضيرة بسبب تخطيطها السلس وصرفها المنساب وشوارعها المرصوفة جيداً التي تشق الأسواق والأحياء عدا نحن حيث تتحول العاصمة وحواضر الولايات إلى برك مياه راكدة ومستنقعات آسنة تكون بيئة خصبة ومراتع لتوالد البعوض والحشرات وغالباً ما تنتهي في نهاية فصل الخريف إلى كوارث بيئية وصحية.