الدكتور جبريل إبراهيم
داعية توازن الإنسان مع أخيه الإنسان .. والمؤمن الثابت بذاته
__________________
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
أن تكتب محدثا عن الدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة السودانية ، هو كد البحث والنبش، قبل تسطير الكلام على الورق ، إذ لابد أولا من تحديد ” منطقة ” من مناطق جغرافيا شخصيته لتكون بؤرة الجمر التي ينبغي لفراشات الأسئلة أن تحوم حولها ،
دون أن تقع في مركز جذبها وتحترق .
ليكون مقالنا بعيدا من حيف التقريرية الجافة وأقرب ما يكون إلى المكاشفة التحليلية المتلازمة بفرضيات الإمساك على مسالك نقدية حذافة ، متقاطعة ، متلاقية ، شديدة الجلاء .
وأحيانا غير مرئية على سطح الكلام ، تعمل على المشي من الجزئي إلى الكلي ، أو معكوسا .
والقول عن الدكتور جبريل إبراهيم ، بدأناه حلقة ، تلو حلقة ، أو بالأحرى هي مثل سلسلة طقوس ممرحلة .
فالكلام عنه ليس شخصي بقدرما هو كلام عن من يمسك بمفتاح التخطيط لمشروع استراتيجي مكتمل وهي رؤية حركة العدل والمساواة السودانية الذي إفترع فلسفتها مؤسسها الأول شقيقه الراحل الدكتور خليل إبراهيم والذي أستشهد في أرض المعركة ، وهو يقود طلائع جيشه المحارب للحكومة المركزية في الخرطوم .
وجبريل إبراهيم هو من الشخصيات التي أتيح لنا التواصل معها منذ سنوات والحوار معه عقلا بعقل ورؤية برؤية فنظرنا إليه من منظورات متعددة ..
إذ يمكن القول أنه الشخص الذي ترى فيه ملامح الشخصية السودانية بفطرتها وأصالتها المائزة بالتواضع والبساطة والحنان ودفء الحس الإنساني ، ملتمعا بشراسة الصدق .. مضاف إليه جميل الإفصاح والتقشف والحياء غير المتكلف ، كما هو الإنسان الواسع الإفق .
فالرجل هو من بنى ذاته لبنة فوق لبنة .
اسمه ” جبريل إبراهيم محمد حنين جوري سالم طه كوريا عبدالله بارو إسي عمر محمد داج ” ..
ولد جبريل في قرية إسمها ( كيرا ) تقع حوالي إثنى عشر كيلو مترا جنوب مدينة الطينة شمال دارفور ، ونشأ في كنف عائلة من قبيلة الزغاوة ، في بيئة صحراوية جرداء لا يعرفون من الحياة إلا الشظف وقسوة العيش ، وحرفتهم في الكسب رعي الأبل ، في قرية إسمها ( كيرا ) تقع حوالي إثنى عشر كيلو مترا .
ويعد الدكتور جبريل إبراهيم ، واحدا من ثمانية أبناء هم : أبوبكر ، حواء ، التوأمان حسين وحسنى ، ثم جبريل ثم خليل ، ثم محمد ، وأخ شقيق لأب آخر هو عبدالعزيز نور عشر .
مات والدهم باكرا وهم صبية صغار فتحملت الوالدة مسؤولية تربيتهم وتزوجت من عمهم ( أبن عم والدهم ) وصار لهم مربيا ..
ولطالما جالد الصبي جبريل تلك البيئة ونشأ فيها دون أدنى إنكسار مواصلا رحلته التعليمة حتى إلتحق بالدراسة الجامعية ورسى في جامعة الخرطوم والتي أدخلته معترك العمل العام في مجال خدمة الطلاب ضمن أعضاء إتحاد الطلبة لأكثر من دورة من دورات الإتحاد .
وهنا عجم عود الفتى في ميادين الكفاح عن حقوق الآخرين ..
وتمضي به الأيام والسنوات ليختار موقعه الأنسب حتى صعد درج الأكاديمي والأستاذ الجامعي الذي ارتحل إلى فجاج السياسة ومنعرجاتها ، طاويا وسامة السودان في قلبه .
درس الدكتور جبريل إبراهيم علم أدارة الأعمال في جامعة الخرطوم .
ثم حاز شهاداته العليا ( تخصصه الدقيق ) في علم الإقتصاد باليابان …
يجيد الدكتور جبريل إبراهيم عددا من اللغات غير العربية كتابة ومخاطبة ..
وهي اللغة الانجليزية والفرنسية
واللغة اليابانية
واللغة الألمانية
وعمل بالتدريس في جامعات اليابان لعدد من السنوات …
واصبح صاحب سيرة أكاديمية مهنية لامعة فأخذته المملكة العربية السعودية للتدريس في جامعاتها .
التكوين المعرفي والثقافي للدكتور جبريل إبراهيم ينسجم بعمق مع الإرث الحضاري السوداناوي والذي يحقق الوعي بشخصيته الثقافية ، والتي جعلها مركزا ليتمم بها دائرته الإنسانية .
بذلك المنظور رفد حركة العدل والمساواة السودانية وجعلها قيمة أساسية بوصفها واقع وجداني أو شعور بالإختلاف والخصوصية الثقافية لأهل السودان .
والدكتور جبريل إبراهيم من القادة القلائل الذين اتخذوا من الذاكرة الشعبية موجها له باعتبار أن المأثور هو حافظ أسرار الشخصية الثقافية .
إن التجذر في عمقنا الثقافي والتعاطي مع مقتناياته ، لنجذر النظر في قضايانا هو ما يمنحنا صحة وعافية حواراتنا وفي تشخيصنا للقضايا ..
فبؤرة بلايانا الحارقة كما يقول الدكتور عبدالله علي إبراهيم ، هو أزمة التشخيص . وأكثر ما يؤذي التشخيص ، سذاجة النظر وانخفاض السقوف المعرفية ، وانقطاع القادة والساسة والمثقفين والأكاديمين والمشتغلين بالخدمة التنويرية عن الذاكرة والمستودع .
للدكتور جبريل إبراهيم بلاغته الخاصة المستمدة من بيئته الإجتماعية وظروفه .
فهو الأكاديمي المنهجي والسياسي الثائر الذي يجمع بين قوة الفكرة واتساقها وجزالة اللغة وجمال أسلوب الكلام ورصانته مع تعبير حي يرسم به صورة السودان وفقا لمنظوراته وأحساسه بالشخصية الثقافية ..
وفي نماذج أقواله العليا تتجلى تصوراتنا وأحزاننا ومراراتنا وأحلامنا أشواقنا في مرآة كلماته بوصفنا مجتمعات عصفت بنا الصراعات مع أنفسنا كسودانيين ومع العالم .
فالقراءة المتمعنة لمجمل خطابات جبريل إبراهيم المرتكزة على فلسفة حركة العدل والمساواة السودانية نجد أنها تندرج بعمق في الرؤى والتصورات ضمن النسق أو السياق الثقافي التي تعمل على إبداع مستقبل السودان .
كما أنه يدفع إلى مستوى عالي من التفكير في حاجتنا لجذوة الود والمحبة والسعة والإحترام للآخرين .
باعتبار أن كثرة المنعطفات والتحولات في كيمياء حياتنا السياسية والإقتصادية والثقافية أفرزت حالة إنكسار وشتات تذهب باتجاه ضرب النسق القيمي الجماعي المشترك .
ذلك حضور الدكتور جبريل إبراهيم الأكاديمي المنهجي المرتحل إلى سهوب وجغرافيا السياسة متصلا بأوردة بيئته الإجتماعية وشعبه وبلده وإنسانه ووعيه الرحب بالتحولات السياسية والثقافية والإقتصادية .
والسؤال المركزي دائما ..
كيف إعتلى جبريل درج رئاسة حركة العدل والمساواة السودانية
عقب رحيل شقيقه الموؤسس الدكتور خليل إبراهيم .
والشاهد أن في نص النظام الأساسي للحركة يلزم أولا أن يترأس رئيس المجلس التشريعي الحركة إلى فترة تصل ستين يوما فقط يعقد بعدها مباشرة مؤتمرا عاما لإنتخاب رئيسا للحركة بديلا للرئيس الراحل
وعلى هذا الأساس دعى البروفيسور الطاهر الفكي – من أبناء كردفان – المؤتمر العام للإنعقاد .
وأجرى المؤتمر العام عمليات الترشح أولا فتقدم بالترشح للرئاسة القائد محمد آدم بخيت الآمين الحالي للحركة
والقائد سليمان جاموس
والدكتور القائد جبريل إبراهيم .
وأفرزت عمليات التصويت فوز جبريل برئاسة الحركة .
وكان الحكم في ذلك الإمكانات والقدرات الخاصة التي تشهد له بها عضوية المؤتمر العام مضافا إليه مواهبه الفذة في الإدارة ، وكسبه التنظيمي العملي في الحركة .
دكتور جبريل من القادة القلائل في السودان من الذين يؤمنون ويعملون بمنطق الأولويات وفي تأملاته دائما كانت تبرز أولوية السلام ومن ثم إيجاد حل لمشكلة الإقتصاد الذي أفقر أهل السودان .
فهو دائما ما يقول أن مجتمعاتنا السودانية ليست مشكلتها في إعمال الأيديولوجيات ولا النظريات الفلسفية ، بل في أن ثمة أناسا يموتون في القرن والواحد وعشرين بسبب الجوع والحروب والنزاعات الدامية .
ووفقا لقراءتنا النقدية الخاصة من خلال أدبياته الملفوظة عقب دخوله الخرطوم بعد توقيع اتفاق سلام جوبا .
نرى أن الدكتور جبريل إبراهيم أن أصالته السودانية تترفع عن التشفي .
والإنتقام مرفوض في فلسفته . فهو يستند على روح متوازنة مع الآخر مع الإيمان الثابت بذاته .