Site icon المجرة برس

رئيس التحرير يكتب…..بيت الشورة …..جفت الدموع

 

 

والشمس تشرق   بين جبال مدينة الدلنج الشامخة فترسل اشعتها على استحياء وككل يوم جمعة، خرجنا ونحن بعد دون العاشرة نلعب بالرمال النقية التي تتحمع على مجاري مياه الخريف التي تحيط بمنزلنا الكائن تحت الجبل الأكبر بمدينة الدلنج….جبل ابو زمام ،وما إن بدأنا اللعب حتى لفت نظرنا إمرأة تولول وهي تتجه صوبنا، ولم يمض وقت قبل أن نراها بوضوح لقد كانت امي وعلمنا ما بين دموعها إن والدي قد توفي في حادث غرق سيارة كانت تقله ومجموعة من اعمامي،جفت دموعي وإنا ارى ارتالا من البشر يبكون على والدي وامتلأت كل الساحات حول منزلنا بالبشر ،وقد تحول بكاء حزنهم بعد قليل إلى بكاء فرح وهم يكتشفون أن أبي لم يكن في تلك السيارة بل كان حيا يرزق ،هذا الحادث الذي توفي والدي بعده بأكثر من اربعين عاما كان قد ذهب بمجموعة من اعمامي آل المرضي إمام وجدي الذي سميت باسمه ….عمر النيل.  وحادث آخر مشابه أخطأ فيه عامل التلغراف فزف  إلينا خبرا  يقول عن جدي سليمان مصطفى أنه توفي في العملية وكانت العبارة الحقيقية هي توفق  في العملية اي نجحت العملية،هذين الحادثين غرسا في قلبي هذا الصبر العجيب عندما أسمع خبر وفاة قريب أو صديق أو حبيب،لأني انتظر دائما تكذيبا الخبر فابكي وحدي بعد أيام أو أسابيع أو شهور ، ولذا  منذ فقد اخي الأكبر يوسف قبل قرابة العشرون عاما  وانا ابكي دائما بلا سبب كلما هاجت ذكراه في قلبي ،أما الآن وقد تتالت الفواجع فقد أصبحت اتلقى اخبار وفاة الاحباب وادخل في ذهول لا يخرجني منه الا خبر آخر  فحتى الان ابحث كل صباح عن رقم هاتف والدي لأصبح عليه قائلا :يا حاج يا حاج ما مليتنا  عجاج  فيضحك ضحكته المجلجلة ويحكي لي عن ليلته وكيف أنه أقام الليل يدعو لي ولاخواني،وما زلت انتظر هاتفا من عمتي رابحة عليها رحمة الله لتخاطبني  قائلة:هي يا وليد مالك اخبارك مقطوعة؟فابدأ سرد اخباري بالتفصيل (وإنا اجد دائما الراحة في هذا السرد) ودائما تستمر المكالمة زهاء الثلث ساعة وتنتهي بأمر مؤجل  يحل  إحدى المشاكل وأقسم بالله انها في بعض المرات تعرض علي المساعدة المالية.

ولا زلت انتظر ان يدخل علي هيثم ابن عمي اسماعيل احمد سليمان ليقول لي أن والده خارج المكتب ينتظرني في سيارته ،وهو دائما يحب مفاجأتي في المكتب فاحمله على الدخول بعد لأي وقد كان رحمه الله كاتم أسراري وصديقي الذي كلما تذكرته كثرت المشاكل من حولي بلا حل.

الياس عبيد الله …..يا الله ابن خالي عبيد الله محمد علي ،كان اكثرنا هدوءا وصبرا وعقلا ،وقد كان رحمه الله حلقة الوصل بيننا وبين خالنا الذي كان يعده ليكون خليفته في الاسرة فمضى قبله تاركا فراغا عريضا في الاسرة الصغيرة والكبيرة

وهكذا يمضي الاحباب وتنثال الدموع علها تطفئ القليل من حر الحزن والم الفراق فتأتي طامة أخرى ويرحل عمي جلال سليمان آدم ….عمي وصديقي واخي الأكبر الذي لا تربطني به اي صلة رحم بل هو جار لأسرتنا بمدينة النهود فترعرعنا تحت رعايته ،نزور الاهل في الإجازات فيكون هو المسؤول عن حلنا وترحالنا وحتى دخولنا إلى السينما إلى أن تنتهي الاجازة ونعود إلى مدينة الدلنج،رحل في هدوء كما عاش دون أن يكلف أحدا ما لا يطيق بل في آخر مكالمة بيننا اقترحت عليه العلاج خارج السودان فرفض رفضا باتا وتوفي بعد ذلك بأسبوع ،وآخر الراحلين اخي وصديقي ودفعتي عدلان احمد حامد، الذي وصفه دفعتنا يوسف مساعد بقوله ….رجل بقلب طفل ،وهو كان كذلك فعندما ذهبت إلى الأراضي المقدسة عمرة رمضان قبل الماضي سعى عدلان للقائي وإكرامي بكل ما وسعه الى ان التقاني جوار الحرم وظللنا في انس قرابة الثلاثة ساعات وقد كانت ونسة وداع ونحن لا ندري لقد رحل عدلان بذات البسمة والقلب الطفولي وبذات البهاء الصوفي والضحكة الانيقة والزهد في الدنيا فاكرمه الله بان توفاه في أطهر بقاع الأرض ودفن يوم الاثنين بعد أن تمت الصلاة عليه في الحرم المكي .

ثم ماذا بعد؟

هي فضفضة أردت أن ازيح بها حزنا دفينا  عكر علي صفوي واقلق منامي، ولم أكن حريصا على نشرها في عمودي المتواضع الا انني تذكرت أن كل المواضيع الاجتماعية التي انشرها تجد القبول من القارئ العزيز ،وأخيرا ربما يكون تقاسم الاحزان مدعاة السلوان.

Exit mobile version