في منحى جديد وغير متوقع، أعلنت دوائر حكومية عن اتجاه لتسليم مطلوبين لدى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي أبرزهم أحمد هارون القيادي في المؤتمر الوطني السابق والذي تقلد عدة مناصب في عهد الإنقاذ بجانب الشرتاي جعفر عبد الحكم الوالي السابق لوسط دارفور.
وتأتي المطالبة بتسليم الرجلين كأوائل المطلوبين للجنائية بعد أن فجر المتهم الذي يمثل أمام الجنائية علي كوشيب، معلومات عن تورطهما في عدة قضايا في دارفور، وهذا ما دفع سيل المطالب الدولية بضرورة مثول الشرتاي ليكون شاهداً على ما قاله كوشيب، ما دفع الحكومة السودانية بالموافقة على تسليم أحمد هارون وجعفر عبد الحكم إلى الجنائية الدولية في إطار التزامها بالتعاون التام مع المحكمة والوعد الذي قطعته لها إبان زيارة المدعية العامة للسودان مؤخراً، الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤل عن طبيعة المعلومات التي أدلى بها كوشيب وقادت للاتجاه بتسليم الشرتاي وظهوره في قائمة المطلوبين، ولكن خبراء أمنيون أكدوا لـ(الصيحة) بأن الاتهامات التي وجهت لكوشيب وإجاباته عليها كانت مثاراً ومدعاة لضرورة حضور هذين المطلوبين وسبباً مباشراً في تسليمهما إلى الجنائية الدولية في لاهاي.
الإفلات من العقاب
في زيارة بنسودا الأخيرة للسودان قالت إن الحكومة السودانية تعاونت بشدة مع المحكمة الجنائية كما أن أطرافاً فيها متحمسة للغاية لتسليم البشير وأعوانه المطلوبين. وأكدت أن أحمد هارون سوف يسلم أولاً ثم يتم بعد ذلك تسليم الثلاثة الآخرين المتحتجزين بالسودان.
وقالت بنسودا إن محكمتها سوف تتعهد بحماية الشهود وكشفت أنها في زيارتها إلى دارفور التقت بضحايا في غرف مغلقة وتسلمت منهم ملفات لزعماء قبائل تورطوا في الجرائم وهذا بحسب المتحدث باسم منسقية معسكرات النازحين واللاجئين، كما أصدرت المحكمة مذكرات توقيف بحق الرئيس المعزول البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين إلى جانب أحمد هارون الذي شغل عدة مناصب في حكومة البشير يواجهون جميعاً تهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وأوضحت أنها تلقت رسالة واضحة من المدنيين خلال زيارتها إلى دارفور تطالب بتسليم المطلوبين الأربعة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقالت إنها أبلغت المسؤولين بمن فيهم رئيس مجلس السيادة بضرورة تسليم هارون بصورة عاجلة لأن قضيته انضمت إلى قضية كوشيب وقالت إن ضحايا دارفور قدموا لها أدلة واضحة موكدة أن المسألة سوف تكون واضحة وحاسمة لدارفور وشددت على ضرورة إيقاف العنف ضد النازحين من النساء والأطفال وأعلن مبعوث الولايات المتحدة في مجلس الأمن مساندة التحقيقات الكاملة للمحكمة الجنائية في دارفور داعياً حكومة السودان الالتزام بموجب قرار مجلس الأمن واتفاقية السلام للتعاون مع المحكمة الجنائية كما دعا إلى تسليم أحمد هارون فوراً وإنهاء الإفلات من العقاب.
قتل ونهب واغتصاب
وفي تصريحات صحفية للمسؤول في الحكومة عن أن السودان وافق على تسليم قياديين إلى المحكمة الجنائية الدولية وأشار المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن الحكومة وافقت على تسليم أحمد هارون مساعد الرئيس المعزول عمر البشير وجعفر عبد الحكم للمحكمة الجنائية الدولية، يأتي ذلك بعد أيام من مطالبة مدعية الجنائية الدولية بنسودا لحكومة الخرطوم بضرورة تسليم وزير الداخلية السابق أحمد هارون لارتباطه بملف قضية زعيم الميلشيات علي كوشيب الذي تجري محاكمته في لاهاي حالياً، وقال إن التحقيقات مع المتهم علي كوشيب أظهرت أيضًا أدلة كافية ضد جعفر عبد الحكم بالاشتراك معه في جرائم حرب ضد الإنسانية في دارفور، وأضاف أن السلطات ألقت القبض على جعفر عبد الحكم في أحراش دارفور قبل يومين وشرعت في نقله إلى الخرطوم تمهيدًا لترحيله إلى لاهاي بمعية أحمد هارون لمحاكمتهما. وقال إن جعفر عبد الحكم متشدد تقلد عدداً من المناصب في العهد السابق كان آخرها حاكم ولاية وسط دارفور التي انطلقت منها شرارة التمرد عام 2003 وشهدت مجازر بشعة، وقد كان اسمه ضمن قائمة الـ 15 متهماً بجريمة الإبادة الجماعية في دارفور الواردة في تقرير لجنة التحقيق الدولية التي أرسلتها الأمم المتحدة للإقليم في العام 2013 أما أحمد هارون المحتجز على ذمة جرائم في السجن القومي بالخرطوم كان وزيراً للداخلية أيام حرب دارفور وهو بمثابة الذراع الأيمن للرئيس المعزول عمر البشير وصدرت بحقه مذكرة توقيف من الجنائية الدولية مع علي كوشيب في عام 2007 بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بدارفور وبعد عام واحد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق الرئيس المعزول عمر البشير خلال عامي 2008 و2009 وألحقت وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين بقائمة المطلوبين في العام 2008 وخلال زيارتها الأخيرة للسودان طالبت مدعية المحكمة الجنائية الدولية حكومة الخرطوم تسليمهما أحمد هارون لارتباط قضيته مع كوشيب وبعد سلسلة جلسات وجهت الجنائية الدولية 31 تهمة إلى علي كوشيب تتعلق بارتكاب جرائم حرب وقتل ونهب واغتصاب في دارفور.
التشفي والانتقام
وكشف الخبير الأمني الفريق محمد بشير سليمان لـ(الصيحة) عن أن ظهور جعفر عبد الحكم في تسليم الجنائية الدولية بسبب اعترافات علي كوشيب للمحكمة الجنائية ضد عبد الحكم الأمر الذي دفع السودان إلى تسليمه إلى الجنائية الدولية، وقال الخبير إن السلطات السودانية من أجل أن تكسب احترام المواطن يجب أن تلتزم بالعدالة الدولية وأن تنفذ العدل والمساواة والحقوق بالقانون لذلك تسليم المطلوبين يعتبر جزءا من العدالة المطلوبة للحكومة الحالية من أجل محاكمة عادلة ترضي الجميع في محاكمة كل المجرمين بما يرضي الطرفين، وإذا لم تفعل ذلك، فإن الانتقالية سلطة من غير وطنية ومن أجل أن نقول إن هنالك سلطة تدار بمفهوم وطني بدلاً من أنها توثق لسلطان خارج السودان أو أصحاب أجندة خارجية.
وقال: الآن الحكومة تتجاهل السياسة لعدم تسليم المطلوبين للعدالة الدولية لعدم تسليمها أحمد هارون ومن معه إلى الجنائية لأنها قبل ذلك سلمت علي كوشيب الذي اعترف ودّل على جعفر عبد الحكم في مشاكل دارفور وكشف عن أن كوشيب اعترف على عبد الحكم بعدة قضايا تتعلق بملف قضية دارفور الأمر الذي أدى إلى أن تقوم الجنائية بمطالبة عبد الحكم إلى الجنائية لتتم محاكمته وشهادته معاً ولولا ذلك لتمت محاكمته في السودان على حسب قضيته مثله مثل المحبوسين من قيادات النظام البائد، وقال إن تسليم أحمد هارون نسبة لتورطه في الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم التي قامت في دارفور، وأضاف: بعد تسليم هارون وعبد الحكم سوف تتجه الحكومة بجدية إلى تسليم الرئيس المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنائية من أجل العدل والمساواة بين الناس، وهذا ليس من باب التشفي والانتقام تجاه المسوؤلين ولكن نتاجاً لمردودات زيارة المدعية للجنائية فاتو بنسودا، الأخيرة إلى السودان.
تقرير- عوضية سليمان
صحيفة الصيحة