أُطالع في مواقع التَّواصل لأبناء بلدي سيلاً من الذِّكريات ،وحنيناً وضجيجاً وأمنيات ؛ ولفت انتباهي أنَّ بعضاً من هذه الأشواق تعود إلى أمور تجتمع في هامشيتها وضحالتها بحيث لا ترقى؛ لرفع جيل وبناء أمة ولاتوازي طموحات أمة ترتقب من أبنائها أن ينهضوا علمياً ويرتقوا ببلادهم صناعياً وتجارياً وزراعياً ؛ فماذا تعني أن تشتاق لجلسات القهوة بين شوارع النّيل ! أو أن تحنّ لحفلات (القونات )! بين حارات الخرطوم! ؛ فجيل لا تحركه إلا هذه الأمور التافهات ليس جديراً بقيادة الأمة ولن نتوقع منه بناء المستقبل!
لماذا لا نُراجع بعد الحرب توجهاتنا وننظر إلى واقعنا بعين التّجرد ونقد الذّات ..
فالسّودان بلد لا تنقصه مقوِّمات النّهضة ولا إمكانات التّطور وإنّما تكمن مشكلته في أبنائه ، تكمن في تباينه الفكريّ والسياسيّ والاجتماعيّ؛ تباينا سلبياً ينظر بعين الإقصاء ، ويظهر بثوب الكبرياء ، ليس لمكونات سوداننا فحسب بل للعالم أجمع ؛ فمن ينظر لنفسه أنّه أفضل الناس وأحسنهم لن يتقدّم شبرا وسيظل قابعاً في مكانه وسردابه! ثمّ يتفاجأ بعد حين أنّ غيره سبقه بسنوات ضوئية..
وأتَوجّه بالمناشدة لجميع الحواضن الفكرية والجامعات والمعاهد والمدارس أن تُراجع سياستها تجاه الشباب؛ لخلق بيئة علمية مثمرة، وحثّ الشّباب على التّطوير، ومساعدتهم على ذلك بعمل المؤتمرات والسمنارات والمسابقات والجوائز ، وكل ذلك في جوّ مفعم بالمحبّة واحترام وجهات النّظر ، وتقييم ذلك بواسطة خبراء واستشاريين في جميع المجالات؛ فحواء السودان قد أنجبت أفذاذاً في كل مناحي الحياة..
وأن نبعد تلك النظرة التي لا ترى التّقدم إلا في مجاراة الغرب في عاداته السيئة وأخلاقه القبيحة كالعريّ الذي تتهافت له الفتيات ، وغيره من مظاهر الانحلال؛ بل بالعمل الجاد وسلوك النّهج القويم؛ الذي لا يتنافى وديننا الحنيف الذي لا يعُارض نهضة ولا يُجافي تطوراً..
ومن نافلة القول أن يقال ها قد نزح النازحون واغترب المغتربون فشاهدوا البلاد المجاورة كيف أنّهم قطعوا أشواطاً في طريق النّهضة والنّماء ؛
ونحن لا زلنا في بداية المحطات ؛ وليس ذلك إلا بسبب منّا وتقصير فينا ؛
فإذا كنّا على استعداد لنقد أنفسنا وتغيير مسارنا
فحينها يحقّ لأبناء السُّودان رفع شعار (حنبنيهو)..
د. الزّبير الطيّب محمّد
٥ربيع الآخر ١٤٤٦هــ