Site icon المجرة برس

القرآن الكريم مصدرًا للحكمة ومرشدًا للتصالح المجتمعي رؤية في أزمة السودان

القرآن الكريم مصدرًا للحكمة ومرشدًا للتصالح المجتمعي رؤية في أزمة السودان

بقلم م. علي تونجا علي

بقلب ممتن، أتوجه بالشكر الجزيل لأخي وصديقي وجاري الفاضل الذي اتصل بي ليشركني مع نفر كريم ختمة أسبوعية للقرآن الكريم. كانت هذه الدعوة نافذةً لاستلهام الحكمة الربانية التي تُضيء الدروب وتُذكِّرنا بأن القرآن ليس كتاب عبادة فحسب بل مصدرٌ عظيم لبناء المجتمعات وتنميتها.
الحكمة الإنسانية جسرٌ بين الأديان والثقافات
القرآن الكريم كاحد الكتب السماوية والفلسفات الإنسانية يؤسس لقيمٍ عالمية كالعدل والرحمة واحترام الإنسانية وهي مبادئ ليست حكرًا على دين أو ثقافة بل جوهرٌ مشترك في الضمير البشري يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: ١٣).
هذه الآية تلتقي مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الدعوة للمساواة والأزمة السودانية تذكرنا أن اختلاف الخلفيات الفكريه والقبليه وغيرها يجب أن يكون جسرًا للتعاون لا سببًا للصراع.
السلام لغةٌ لا تحتاج إلى ترجمة
عندما يحث القرآن على المصالحة بقوله: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (النساء: ١٢٨)، فهو ينسجم مع قيم السلام في كل الثقافات الاخري فـ” *شجرة الحوار”* في التراث الأفريقي، والتي تُجسِّد تسوية النزاعات بالحكمة الجماعية تُشبه دعوة القرآن إلى الحكمه والموعظه الحسنه فهذه القواسم تؤكد أن السلام هدفٌ إنساني جامع. كذلك العدل ياتي كأساس للاستقرار في كل المجتمعات يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ (النحل: ٩٠). هذا المبدأ يتوافق مع فلسفات أرسطو وكونفوشيوس حول العدل كأصل الحكم الرشيد. ففي السودان – كما في أي مجتمع – لا يُبنى الاستقرار إلا بإنصاف المظلومين، وهو مطلبٌ إنساني قبل أن يكون دينيًا.
*تدبر الجزء العاشر بصائر قرآنية لأزمة السودان*
في ظل همومي بأوضاع السودان اخترت تدبر الجزء العاشر من القرآن فوجدته يزخر بآياتٍ يمكن ان تسهم في قضايا الحرب والسلام فقد توقفت عند قوله تعالي ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً﴾ (الأنفال: ٢٥).
فالفِتنة كالنار تلتهم الجميع وقد رأينا في السودان كيف أضرَّت الحرب بكل الفئات دون تمييز.
فاليسال كل منا نفسه ويحاسب ضميره كيف تعامل مع هذه الايه .
كذلك توقفت عند قوله
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا) آل عمران: ٢٠٠
فالصبر هنا إرادةٌ صلبة لبناء السلام عبر التضامن، لا استسلامًا للواقع.
ومن ثم تاتي الايه 190 البقره في رفض الاعتداء بشكل مطلق في قوله
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )وفيها
نداءٌ واضح لأطراف النزاع كفّوا عن العنف، واعملوا لتحقيق السلام
ويدعو الاخرين للإصلاح بين المتنازعين من الحكمة إلى التطبيق
بقوله تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ (الحجرات: ٩). هذه الآية تلامس واقع السودان مباشرةً، داعيةً إلى حوارٍ يُبنى على العدل ويجب أن يقترن هذا الحوار بالتسامح، كما في قوله: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ (النور: ٢٢)، وبالنزاهة: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ (هود: ٨٨).
كذلك كان في الجزء العاشر قصص الأنبياء حاضره كارثٌ انساني مشترك وداعي للإلهام ففي
قصة يوسف عليه السلام الذي عفا عن إخوته رغم ظلمهم ليست درسًا دينيًا فحسب بل نموذجًا عالميًا لقوة التسامح فكما حوَّل غاندي ومانديلا الألم إلى مصالحة يحتاج السودان إلى رؤية تجمع بين الحكمة الدينية والإرث الإنساني دون تفريطٍ في اسس العدالة.
نداء إلى كل ضمير حي
مهما اختلفت المعتقدات أو الانتماءات فإن الألم الإنساني واحد يقول سبحانه وتعالى:
﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا (المائدة ٣٢)
هذا المبدأ يتطابق مع شعار “لا لأرواح بلا قيمة” فاستعادة السودان مسؤوليةٌ إنسانية وواجبٌ على كل ذي ضمير أن يكون صوتًا للسلام.
رسالتي للأجيال قادمة
ان الأزمات تُعيد تعريف الأولويات كذلك يقدم القرآن رؤيةً للمستقبل تتوافق مع أهداف التنمية المستدامة مجتمعات خالية من الفقر والعنف (﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يُتُوبَ عَلَيْكُمْ ) النساء: ٢٧) فالسودان بتنوعه وثقافته قادرٌ على أن يكون نموذجًا للسلام والمحبه إذا ادير حوارٍ يعترف بالآخر ويبني على المشتركات هدفها الوحده والتنميه
نجد في القران تذكرةً بأن الخروج من الأزمات يبدأ بالاعتراف بإنسانيتنا المشتركة فكما قال الشاعر السوداني محمد مهدي مجذوب
*”بالعدل تُبنى الأوطان.. وبالقلوب تُسقى الأركان”*
لنجعل من محنتنا محطةً لالتقاء الضمائر لا اصطدام الهويات.
اللهم اجعل هذا الكتاب ربيعًا لقلوبنا ودليلًا يهدينا إلى طريق المصالحة والسلام.
*وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.*

Exit mobile version