بين الحرب والحياة
الوليد عشميق
في خضم الحروب، حيث تشتعل النيران وتُدمر المدن، تظل الحياة تنبض بأشكال مختلفة. بين أصوات المدافع وصمت المقابر، تخرج قصص تُثبت أن الإنسان قادر على التمسك بالأمل، حتى في أحلك الظروف.
“بين الحرب والحياة” ليس مجرد مجموعة من القصص والمواقف، بل هو مرآة تعكس الوجه الإنساني للحرب في السودان. إنها حكايات من قلوب أنهكها الألم لكنها ما زالت تنبض بالإصرار، منازل تحولت إلى ركام لكنها ظلت ملاذًا للحب، وأرواح ضاعت لكنها تركت أثرًا عميقًا في نفوس من بقوا.
هنا نروي قصص الناجين، الشهداء، والأبطال المجهولين الذين حملوا على عاتقهم عبء الحرب، وكتبوا في صفحات التاريخ السوداني أسمى معاني التضحية والصمود. بين الحرب والحياة، نفتح نافذة تطل على الألم، الأمل، والإنسانية التي لا تموت مهما قست الظروف.
“بين الحرب والحياة”، حكايات نرويها لننقل صوت من لا صوت له، ونوثق ما لا ينبغي أن يُنسى
وجوه الحرب الباكية
الخروج للمجهول
“داؤد الفكي الغبشاوي”، شاب بشوش، ابن حي الصحافة العريق، مربع 35 ذلك الحي الذي لطالما أنجب رموزًا مؤثرة في المجتمع السوداني. كان داؤد الفكي مثالًا للكرم والأصالة والشهامة، أبًا محبًا لأطفاله، وابنًا بارًا لوالديه، وجارًا عزيزًا بين أهله.
في أحد أيام الحرب، عندما كانت الخرطوم تغرق في الفوضى والمعاناة، قرر داؤد الفكي أن يخاطر بنفسه لتأمين احتياجات عائلته الكبيرة التي تضم والده المسن، إخوته، وأطفاله الصغار. خرج في رحلة محفوفة بالمخاطر من الخرطوم إلى أم درمان، عازمًا على تخفيف معاناة أحبائه. لكن في منتصف الطريق، اختفى بلا أثر. لم يعرف أحد ما حدث، ولم تصل أي أخبار عن مكانه أو مصيره.
كانت صدمة اختفائه ثقيلة على الجميع، لكن أكثرها إيلامًا كانت على والده، الشيخ الغبشاوي، الذي كان ينتظر عودة ابنه ليحتضنه ويطمئن عليه. أيامٌ ثقيلة مرت، وكلها مليئة بالألم والحسرة، حتى أُنهك قلب الشيخ ومات دون أن يحظى بنظرة وداع أو خبر يخفف عنه حرقة غياب ابنه.
اليوم، يعيش إخوته وأطفاله وجيرانه على أمل واحد: أن يعود داؤد الفكي الغبشاوي يومًا ما. أن يزور قبر والده الذي غادر الحياة وهو يشتعل شوقًا لرؤيته. أن يجمع شمل العائلة، يعيد لهم الأمان ويطفئ نيران القلق.
الأمل رغم الغياب
داؤد الفكي الغبشاوي هو رمز لكل من غابوا وسط الفوضى. قصته تُجسد ألم العائلات التي تنتظر كلمة، إشارة، أو حتى حقيقة لتكسر صمت المجهول. رغم الألم، يبقى الأمل بأن يعود الغائبون يومًا، يجمعون الشتات ويعيدون للحياة شيئًا من دفئها المفقود.