Site icon المجرة برس

أزمة الوقود “أُمُ الأزمات” بين إيقاف الرقابة ومواصلة التَّسرب

تقرير :المجرة برس

أجرت “المجرة برس” في خواتيم الشهر الماضي تحقيقا عن الرقابة علي توزيع الوقود في العاصمة الخرطوم، بيَّن حجم الارتباك والضبابية التي تسود قطاع ادارة النقل والوقود  علي المستويين الاتحادي والولائي، وأثار  العديد من علامات الاستفهام حول الغاء أنظمة الرقابة الحديثة لصالح انظمة عتيقة مليئة بالثغرات التي تسهل تسرب  الوقود “المدعوم” الي السوق السوداء.

وكما بيَّن التحقيق، فإن أنظمة الرقابة الحديثة تتكون من أربعة محاور، الأول هو الرقابة على المستودعات عن طريق أجهزة استشعارلرصد الكميات الواردة والصادرة من والي المستودع، والثاني هو تتبع حركة شاحنات الوقود بأجهزة تتبع المواقع عن بعد “جي بي اس”  من المستودع حتى موقع التفريغ. المحور الثالث هو الرقابة على محطات الوقود بذات أجهزة مراقبة المستودع للرقابة علي صرف الكميات الواردة.  المحور الأخير هو البطاقة الذكية التي تعمل بذات طريقة عدادات الكهرباء “التسعير التصاعدي” التي تقسم كميات الكهرباء حسب الدعم والكارت الذكي يحسب لصاحب السيارة الكمية المدعومة وبعدها يبدأ في حساب الكميات الاضافية بالسعر غير المدعوم.

كل ذلك يتم عبر غرفة “رقابة مركزية”  مجهزة لذات الغرض بوزارة النفط والمعادن والتي زارها المحرر فوجدها خاوية على عروشها وبالسؤال تبين أنها جاهزة فنياً للعمل في اي لحظة الا ان  الرقابة موقوفة إداريا!!  لمصلحة من تم إيقافها؟  لاندري!!!

كما بين التحقيق فروقات الأسعار بين المحروقات المدعومة و تلك التجارية ، ذاك الفرق الذي يغري الكثيرين للاستفادة منه عبر وسائل ملتوية تؤدي في النهاية الي رفد السوق السوداء بكميات مهولة من الوقود المدعوم بكافة مشتقاته. https://almjarah.net//2019/11/4365/

تخبط اداري، ارتباك وقرارات عشوائية

 

وبالعودة للوراء نجد أن ازمة الوقود اتخذت شكلها الخانق منذ ديسمبر الماضي، ثم تصاعدت بوتيرة ثابتة حتي اتخذت شكلها الحالي ” الاقرب للانعدام التام”، وكانت حكومة النظام البائد قد رفعت الدعم عن المحروقات جزئيا، ثم عادت لرفع أسعار المحروقات المخصصة للقطاع الصناعي والزراعي ” الوقود التجاري”، الأمر الذي أشعل موجة سخط عارمة وسط المنتجين “بما في ذلك شركات البترول”، و شكل بداية انطلاقة كبيرة لتسرب المحروقات المدعومة الي السوق السوداء، التي تعملقت منذ ذاك الحين. وعندما استفحل الأمر ولأسباب سياسية بحتة، هدفها تهدئة الشارع الثائر عادت ذات الحكومة لإلغاء قرارها في مارس 2019. 

ظلّت مثل هذه القرارات اللحظية المشبعة بالارتباك و الساعية  لتحقيق أهداف مغايرة لهدف استقرار أسعار المواد البترولية و توفرها، ظلّت تنتج آثارا تراكمية بمعدلات متزايدة ، هذا الي جانب سوء  سياسة استيراد البترول التي ظلت سارية حتي الآن ، وزد الأمر سوءً الاهمال المريع في عمليات الصيانة الدورية للمصفاة، التي تساهم بقدر لا يستهان به في توفير المواد البترولية .

وبالرغم من تعهدات دول المنطقة بالايفاء باحتياحات السودان من المواد البترولية، وبالرغم من وصول كميات مقدرة من شحنات المحروقات الا أن الأزمة ظلت تراوح مكانها، اذ ان المنظومة العاملة في المجال تشوبها الكثير من التشوهات الادارية، و تعتمد  أنظمة عتيقة أكل عليها الدهر وشرب مما يجعل امر انفراج الازمة شقيق الغول و العنقاء و الخل الوفي . ولا يجد المراقب للأمور كبير عناء في ان يكتشف ان جميع السياسات و القرارات و الاجراءات التي اتخذت لم تلامس سوي سطح الازمة و لم تحرك فيها ساكنا بل عقدتها اكثر.

الأزمة تنجب الجحيم

 

 حولت هذه الأزمة حياة المواطن الي جحيم، اذ أن أزمة المواصلات تعتبر الوليد الشرعي لأزمة الوقود، ومعلوم أن العاصمة القومية ظلّت تعاني من أزمة مواصلات طاحنة طوال الأشهر الماضية وصلت حد ان تنعدم أّيّ وسيلة مواصلات في المدن الثلاث لساعات طوال، وبالرغم مما يقال عن ان الأزمة متعمدة ومن صنع الثورة المضادة، وما يتردد عن ان هناك جهات تدفع لأصحاب المركبات يومياتهم لكي لا يعملوا في نقل المواطنين، الا أن هذه الأقاويل تظل فجة ولا يسندها دليل ولا تصلح كمبرر وحيد لأزمة بهذا العمق.

و يترتب علي “أزمة المواصلات” هدر مهول للوقت والجهد، اللذان بدورهما يؤثران مباشرة علي انتاجية الفرد، مما يؤثر علي الدخل القومي الاجمالي ، هذا الي جانب السخط العام الذي بالضرورة يقود للتفلتات الأمنية مما يزيد من تكلفة حفظ الأمن ، وربما يتطور الامر لزيادة تكلفة العلاج مثلا ان حدثت اشتباكات ايا كان نوعها و ادت لإصابات كان يمكن تفاديها. كما ان انفلات تعريفة النقل وخضوعها لمزاج السائق في معظم الأحوال وضياع ملامح خطوط المواصلات اضافة الي آثار عديدة تصب كلها في خانة زيادة العبء علي المواطن المرهق اساسا اضافة الي  الضرر الإقتصادي البليغ الذي تسببه علي المستوي العام نتائج طبيعية للتدهور في هذا القطاع المنهار. بالطبع لم نتاول تأثير هذه الأزمة علي معدلات الرفاهة للفرد والتأثيرات الاجتماعية الأخري، مثل توليد ازمة المواصلات لسوق كبيرة للجريمة “النشل علي وجه التحديد”، والتحرش بكافة أشكاله، و انتشار البذاءات التي يشكل السخط تربة خصبة لها .

بجانب أزمة المواصلات انتجت “أزمة الوقود” ارتفاعا مهولا في الأسعار مما زاد من كل الارقام والمؤشرات المرتبطة بمعدل التضخم . ايضا زعزع ما تبقي من بنية الاسعار، ومنح ضعاف النفوس فرصة للمزايدة و اتخاذها(اي الازمة) زريعة ومبرر لفرض أسعار غير واقعية لسلعهم المعروضة .

“أم الأزمات”

 

واقع الأمر يقول ان أزمة المحروقات هي ام الأزمات في السودان، ومع الأخبار التي ظلت تتناثر دوما بوصول عدد من البواخر للميناء محملة باحتياجات السودان لمدة – طالت ام قصرت – مما ينفي سبب انعدام المحروقات سبب لهذه الأزمة، يحق لنا ان نتساءل، ما هو سبب هذه الأزمة الخانقة ؟ هل هو عجز اداري؟ أم فساد؟ هل هي عدم قدرة علي تولي زمام الأمور؟ وما السبب في كل هذا التخبط؟

الأمر ان مثل هذه الأزمات الكبيرة التي تحيل حياة الكل الي جحيم تحتاج الي قرارات شجاعة وغير نمطية و جرأة في تنفيذها . فهل نملك مسئولاً بهذه المواصفات؟؟؟ هذل هو السؤال الأهم.

Exit mobile version