القانون الذي تمت إجازته في اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة و الوزراء واللذان يمثلان الهيئة التشريعية في غياب الهيئة التشريعية حسب المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية حيث جاء في محتواها حل حزب المؤتمر الوطني وتصفيته ومصادرة ممتلكاته ودوره في جميع ولايات السودان وحذفة من سجلات مسجل الأحزاب وهذا يجعلنا نطرح سؤال .. هل ما حدث بالسودان هو ثورة شعبية ام انقلاب عسكري، لأن الجميع يعي ماذا تعني الانقلابات العسكرية وما يترتب عليها من قرارات بموجبها قد تحل جميع المؤسسات بالدولة بما فيها الأحزاب السياسية بأجمعها لاسيما تشيكل الحياة العامة علي حسب توجهات الانقلابيين.
اما اذا كانت ثورة شعبية النظرة تختلف لأن الثورات الشعبية تستمد قوتها من الشرعية الثورية وفق المطلوبات المطروحة بإعتبار أن الثورات تنشد العدالة والحرية والكرامة الانسانية عكس الانقلات التي تفرض طرحها عبر قوة البندقية أي إن كان هذا الطرح.
هذا يقودنا للنظر لما تقوم به قوى الحرية والتغيير الان وبمساعدة من شركائها العسكريين بإتخاذ هذه الإجراءات التي لم يحدث لها مثيل في دول العالم وهي مدعية بأن هذا الذي حدث مستمد من الشرعية الثورية ..
وبهذا تتحول هذه الثورة الي انقلاب حقيقي متمظهر في ثوب الثورة الشعبية وهذا مخل ومشين للثورات الشعبية لأن الذي يفعل الان هو تكريث الكراهية والشق السياسي أي بمعني تمكين يحل محل التمكين السابق بإسم الشرعية الثورية وهذا يجعلنا نتنبأ بمستقبل نسمعه فيه من جديد حل الحزب الحاكم ومصادرة ممتلكاته وعزله سياسيا ونعود مره أخرى للدائرة المغلقة.
وبالنظر لتاريخنا السياسي نجد أن مثل هذه القرارات لا تؤثر على الأحزاب المحلولة بقدر ما تزيد من قوتها وتترك لها الباب مفتوحآ علي مصراعيه امام كل الاحتمالات و الخيارات.
وخير مثال لواقعنا الحالي الحزب الشيوعي السوداني الذي يحكم الان هذا الحزب تم حله وطرد اعضائة من داخل قبه البرلمان وتم تدمير دورة ومضايقة اعضائه بعد الحادثة الشهير التي اتهم فيها احد كودار الحزب الشيوعي بسب العقيدة الاسلامية وحينها اعترض عدد من البرلمانيين وهم غير منتمين للحزب الشيوعي ولكن حجتهم أن هذا العمل يقود لنهاية الديمقراطية في السودان.
حيث طالب حسن بابكر الحاج النائب البرلماني عن الوطني الاتحادي زملائه بترك هذا الحماس لأن المقترح آجراء غير قانوني وسيؤدي لنهاية الديمقراطية، وقال “ستنتزع منكم برمتها كما انتزعت في الماضي .. لا اريد أن اسجل حرباً علي الديمقراطية .. فخيراً لأبنائي أن يدفنوني شهيداً من شهداً الديمقراطية، بدلاً من اعيش حياً في عهد وأد الديمقراطية”
وعلي نفس النهج ساره عضو البرلمان عن حزب الأمة كمال الدين عباس الذي صوت ضد مقترح تعديل الدستور، وقال “أن التعديل الذي يجري الأن ويقضي بطرد عدد من الشيوعيين يخدش ويطعن في النظام الديمقراطي طعنة نجلاء”، رغم كل الاجراءات القانونية التي كانت متبعة آنذاك إلا أن العقلاء يرون إنها بالفعل عمل مشين يؤدي لنهاية الديمقراطية.
وبالفعل بعد فترة قصيرة جاء هذا الحزب المحلول بمايو كنسآ لما يسمونها الرجعية متمثلة في حزب الأمة وبعض الأحزاب الأخرى
إذن هذا يقودنا الي أن مثل هذه القرارات ليس الا القصد منها حماية الديمقراطية والمكتسبات الثورية بقدر ما هو تمكين آخر بإسم الشرعية الثورية ..
عبق أخير :
ما حدث في السودان هو في حقيقة الأمر ثورة شعبية حقيقية لديها مطالب واضحة ولكن النخبة السياسية التي تبنت هذا الحراك كان هما الوحيد هو الوصول للسلطة لذلك سرعان ما تحالفت مع العسكريين ولأنهم مدركون لحجمهم الطبيعي وسط المجتمع السوداني فتحولت الثورة من شعبية الي انقلاب عسكري بجلباب الشعب المكتسب من قوى الحرية والتغيير وبالتالي أعدنا للتاريخ مجدة وذهبت الديمقراطية في مهب الريح