
على رائحة الدخان المتصاعد في أرجاء المنزل عند ساعات الفجر الأولى ليوم أمس، استقيظ والي سنار الأسبق أحمد عباس، وأسرته على ألسنة اللهب، والنيران تشتعل في غرف وأثاثات المنزل، وكان الخبر قد أثار ردود فعل كبيرة وصدى وسط الولاية الآمنة، التي تشهد استقراراً ليس كغيرها من الولايات، وشكلت الحادثة صدمة كبيرة لمجتمع سنار المسلم الذي اعتبر أن هذه الظاهرة دخيلة على مجتمع الولاية.
تفاصيل ما حدث:
ويقول نجل الوالي الأسبق أحمد عباس «محمد» وهو يروي تفاصيل الحادثة لـ(الانتباهة) إن المنزل الذي تم حرقه استأجرته الأسرة قبل 12 يوماً وهو ليس ملكاً لهم لأن الأسرة تملك منزلاً في حي آخر بسنار، واستكلمت ترتيبات الرحيل قبل أسبوع واحد، وأكد أنه في حدود الساعة الثانية صباحاً صحت الأسرة على صوت انفجار في المنزل فوجدوا النيران تشتعل خاصة الجانب الذي تتواجد فيه النساء، وقال محمد إن الحريق شمل البيت بأكمله وكل الغرف، وأوضح أن الجاني سكب البنزين في المدخل وداخل المنزل عبر النوافذ وأشعل النار، وأضاف»خرج والدي وباقي الأسرة بسلام دون خسائر في الأرواح»، وأكد محمد أن شرطة الدفاع المدني حضرت إلى الموقع واستطاعت إطفاء الحريق إلا أن الأسرة لم تستطع إخراج شيء من المنزل، الذي احترق بأكمله، وأشار إلى أن شرطة المباحث الجنائية عندما حضرت إلى المنزل وجدت آثار الجريمة التي تمثلت في جالون البنزين الذي استخدم في الجريمة إضافة إلى رسائل تهديد تركت في الموقع عبارة عن ورقة كتب عليها عبارات تهديد «هذه المرة الأولى وستتوالى المرات المقبلة «.
العملية مقصودة:
ولربما كانت المحاولة عادية إن لم يترك المجرم دليلاً خلفه، ولكن رسائل التهديد التي تركها فاعل الجريمة أكدت أن العملية مقصودة وتشي أن هناك جهات فاعلة تقف خلفها، ويقول محمد أحمد عباس إن الأسرة لا تتهم أحداً وليس لها عداء تجاه شخص معين، وأضاف»نحن ناس سنار الكل يعرفنا منذ أن وُلدنا هنا صحيح توجد السياسة التي نمارسها لكنها عادية»، وزاد»رسائل التهديد التي تركها الجاني لن تجعلنا نغادر سنار ولن نغادرها ولن نغادر حتى المنزل لأننا أصحاب دار» ونوه إلى أن الحادث في يد الشرطة إن توصلت إلى المتهم هو المطلوب وإن لم تتوصل فلن تتخذ الأسرة أي رد فعل مخالف للقيم .
قصة النجاة:
من جانبه روى المهندس عبد الله احمد عباس، لـ «الإنتباهة» تفاصيل الحادثة قائلاً :ان المنزل الذي تعرض للحريق لم يكن ملكاً لابيه، حيث قام باستئجاره من المواطن حسبو ابراهيم قبل اقل من شهر فقط، وان هذا المنزل يقع عند مدخل مدينة سنار غرب طلمبة الوطنية، واضاف قائلاً: عند الثانية من صباح امس الاثنين تسلل اشخاص الى داخل الهول، وقاموا بدلق كميات من البنزين في عدد من المواقع داخل المنزل، قبل ان يشعلوا النار فيها، واضاف بقوله انه من حسن الحظ ان الوالدة كانت في تلك الاثناء مستيقظة لتقوم بايقاظ الجميع، وكان من بينهم الوالد احمد عباس وشقيقتي بابنائها، ليفروا بجلودهم هرباً من النار التي قال انها قضت على كثير من محتويات المنزل واثاثاته مع تصاعد لالسنة اللهب، وقال ان الجيران هبوا في تلك الاثناء لاخماد الحريق .
سريان الخبر:
وقبل ان يستيقظ غالبية سكان سنار حتى سرى الخبر كما النار التي قضت على المنزل، ولم تكف العديد من الجهات من اطلاق الاتهامات جزافاً ان جهة بعينها هي من قامت بهذا الفعل، الا ان نجل احمد عباس لم يوجه اصابع الاتهام كما جاء في كثير من المواقع، و قطع بالقول انه عمل سياسي، مشيراً الى انهم عثروا على قصاصات مكتوب عليها ( دي البداية يا حمد عباس ح. ت) واضاف انهم قاموا بفتح بلاغات وتم التحري مع الوالد، ووصف عبد الله ما اقدم عليه الجناة بالفعل الجبان، مشيراً الى ان والده لم يكن مختبئا بل يزاول عمله كمواطن، ومتواصل مع مجتمع الولاية، ولا عداء له مع اي شخص، بل ليس له اي نشاط سياسي منذ ان غادر موقعه، مشيداً بزيارة مدير شرطة الولاية وقيادة المنطقة العسكرية.
استنكار واسع:
ولحظة سماع الخبر تداعت سنار بأكملها إلى منزل عباس الذي يقبع في حي 39، ووجد الأمر استنكاراً كبيراً من المواطنين الذين تعاطفوا معه، واعتبره البعض محاولة جديدة تجري في ولايات الوسط على رأسها سنار لجر المنطقة إلى معارك مثلما يحدث في الشرق وبعض ودارفور، ويقول نجل عباس، إن منطقة سنار مترابطة وكل الناس حضروا إلى الموقع من أقصى السلفيين إلى أقصى اليساريين، وأضاف»هذا يؤكد أن الناس هناك قلوبهم مع بعض ولكن العيب على الشخص الذي منح المتهم القيام بفعلته»…
نار الفتنة:
وكان والي سنار الجديد الماحي سليمان قال في إحدى تصريحاته إن ولاية سنار مستهدفة من البعض لإشعال الفتنة فيها، لكونها الولاية التي تشهد استقراراً كبيراً من حيث المجتمع، ويرى مراقبون أن أي اضطرابات في ولاية سنار تؤثر على منطقة الوسط من حدود دولة الجنوب إلى ولايات الجزيرة والنيل الأزرق.
وما حدث لعباس في سنار ربما لا يبعد كثيراً عن ما حدث لنائب رئيس الجمهورية السابق حسبو محمد عبدالرحمن، في ضاحية المعمورة بالخرطوم، عندما هجم على منزله مجهولون، وأطلقوا النار خارج المنزل وأودى بحياة أحدهم وجرح آخرون وفروا هاربين، وإن لم تصدر الشرطة أو السلطات المختصة أي تعليق على تلك الحادثة إلا أن التحلليات أشارت إلى أنها ربما محاولة اغتيال فاشلة .
الهتاف بعودة عباس:
بعد ان غادر موقعه كوال لولاية سنار في عام 2015م اتجه المهندس الزراعي احمد عباس لمواصلة مسيرته العملية بعيداً عن السياسة وتعقيداتها الشائكة، فحط رحاله في اعماله الخاصة ومن بينها مشروعات زراعية بمدينة سنار فحمل حقائبه الى هناك.
والرجل المثير للجدل فإن فترة حكمه والتي عرفت بانها اطول فترة حكم للولاة الذين تعاقبوا على الولاية، شهدت كثيراً من الاحداث، وطبيعي ان يجد معارضة قوية في مقابل تأييد اقوى من قبل مكونات الولاية المختلفة، بسبب قرارات اتخذها او من خلال موقف له مع مواطنين حول قضية معينة، حتى انتهت فترته، ولكن لم تنته اضواؤه حتى بعد سقوط النظام.
لم يترك عدد من الموالين للنظام السابق او من هم ساخطون على حكومة الفترة الانتقالية سانحة زيارة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك الاخيرة الى ولاية سنار متفقدا اوضاع المتضررين من السيول التي ضربت الولاية واحدثت بها اضرار بالغة، لم يتركوا هذه السانحة حتى ارتفعت اصواتهم تنادي بعودة احمد عباس لقيادة الولاية، ولم يكن هذا الهتاف ليمر دون ان يواجه بآخر مضاد من قبل بعض الثوار، وتبعاً لذلك تفاعلت مواقع التواصل بالدعوة الى عودة احمد عباس.
وتتابعاً للأحداث بالولاية المنكوبة، فما هي قصة هذا الحريق .
المتهم الأول
وربما يزعم البعض ان اصابع الاتهام تشير الى قوى الحرية والتغيير بأنها تقف وراء الحادثة، باعتبار الرموز التي وجدت في بعض القصاصات التي خلفها الجناة، وهكذا حاول الفاعل ان يشير بغباء، الا ان القيادي بقوى الحرية والتغيير بالولاية سيد محمد سليمان رفض بشدة الصاق هذه التهمة لاي من مكونات الحرية والتغيير بالولاية، واستنكر خلال حديثه لـ (الإنتباهة) الحادثة التي وصفها بالدخيلة على مجتمع الولاية والمجتمع السوداني، وقال: هذا عمل مرفوض ولا نوافق عليه، واضاف قائلاً: لا يمكن لقوى الثورة ولا حتى لجان المقاومة ان تقدم على هذا الجرم، مبيناً ان هذه القوى لا هم لها سوى تنفيذ مطالب الثورة مثل توفير الخبز والوقود، وقال ان الوالي الاسبق موجود بيننا، ومجتمع سنار متصالح ويفصل بين العام والخاص .
الانتباهة