المقالات

أهونُ لجملٍ أن يلِجَ من ثُقب إبرة من أن يدخُلَ جنجويدُ ملكُوت الله بقلم/ مُحمّد عُكاشة

55views

أهونُ لجملٍ أن يلِجَ من ثُقب إبرة من أن يدخُلَ جنجويدُ ملكُوت الله

بقلم/ مُحمّد عُكاشة

من أعظمِ الدروسِ المُستفادةُ بعدَ توقفِ الحرب أو بعدَ دحرِ الجنجويدُ الأوباش هو العملُ علي إصلاحِ ما بأنفسنا من شُحٍ وأثرةٍ وجشعٍ مقيت.

أحكي قصة..

أيامَ التهجير القَسري لمُواطني الخُرطوم والجزيرة من قِبل الرباطةِ الجنجويد تكاثرتِ وفودُ السُودانيين عبر مهلكةِ التهريب الي مصرَ والكثرةُ الغالبةُ سيداتٍ رفقةَ أطفالهن.
غالبُ أولاءِ النسوةُ أو أولئك الرجالِ رغمَ مخاطرِ التهريب من نجا منهم أو منهنّ تزاحموا من مُدنٍ آمنةٍ مُطمئنة حتي لحظةِ الكتابةُ هذي.
سيّدةٌ ذاتُ صلةٍ بمدرسةٍ سُودانية فتحت بين يديّ أشهرِ الحرب الأولي تستثمرُ لتزايُدِ عددُ السُودانيين في القاهرة.
السيّدة تهيبُ بقريباتها في المدينةِ الوادعةُ عندَ منحني النيل وقد شهدت المدينةُ نزوحُ بعضِ أهلها من مناطق الحرب وهؤلاء وجدوا مَلاذاً آمناً مُستحقُ بين أهليهم ( ناس البلد) رغمِ جفوتهم لبلدهمِ الأصلُ سنينَ عَدداً غيرَ أن عَدداً من النازحينَ من غيرِ أهلها لاذّوا إلي ذاتِ البلدةِ وحينذاكَ أطلَ الجشعُ برأسهِ يتطاولُ بالايجارات الباهظةِ من بعضِ السُكان الذّينَ كانوا ينُشدون ذاتَ يوم :
أنا لو ماجيتا من زي ديل
وااامأساتي وااااسفي
وبتنبَر واقول للدنيا ديل أهلي..
ديل أهلي

المُهم..
السيّدة هذّي تستعجلُ بنات أهلها للقدومُ إلي القاهرة وأن يستأجروا البيوت هُنالك للنازحين المُستجيرينَ من نارِ الحربِ إلي رمضاءِ الجشعِ.
المُستثمرةُ بآخرهِ تحضُهنّ بضمانةِ تعليمِ أولادهنّ في مدرستها بل وتكَفلت بايجادِ شُققٍ بأسعارَ زهيدةَ للسُكني بعضُهنَ فوقَ بعض عِوضاً عن الحيشان المتلاصقةُ وبالجوارِ من المدرسة والحياةُ بمصرَ رخَاءً سَخاءً والعيشة مَعدن.
ثمَ البكاسي تقومُ من أبي حمد عصُر تقجُ قَج عَجاجةَ فوق لجَاجه والسواقين في عالم تاني ومزاج عالي وشِيتن يحير.
السيّدات الفُضليّات وصلنَ بالسلامة وشَرَفن حواري القاهرة المُزدانةُ الأنوارُ يَستغربنَ حيثُ ولا واحدةٍ منهن جاءتها من ذي قبل.
السيّدة صاحبةُ الاقتراح تكسبت من عُمولة إيجار الشقق ومن رسوم الدراسه لتقومَ السُلطات المِصرية بإغلاقِ ذاتِ مدرسِتها ومَيتينا ذّاتو.
هَؤلاء النسوة ظللن يُكابدنَ العيشةَ بحق إيجار البيوت المُستقطع في السُودان وقد غادرَ المؤجرون بُيوتهنِ إلي أمدرمان بعد تحريرُ الإذّاعة فالايجارات في كرري والريف الشمالي أخفُ وأرحمُ من بعضِ مُدنِ الولايات بل والبعضُ وجدَ مسكناً بالمجان من البعض في مدينةِ أم درمان.
هؤلاءِ النسوةُ يقتفينَ دعوةُ قريبتهنّ قد تَقطعت بهنّ السُبل ليَشقينَ بضمانةِ الرجوع يبحثنَ عبرَ برنامجُ العودةِ الطوعيةِ ( راجعين ) والحياةُ زادٌ وتجرُبةٌ ودروسٌ لمن ألقي السَمعَ وهو شهيد.

لكن بخلافِ هَؤلاءِ العُصبةِ نفرَ من ناحيةٍ أخري آخرينَ فُضلاءُ في مُدنٍ أخري أوفوا مَوثقاً مع الله ومن هؤلاء صلاح علي حامد في النوارب غربِ شندي يفتحُ بُيوت أهلهِ لجيرانهِ نازحي الخُرطوم ضلفتين ولايمنُن ولا يَستكثر وكذلك استضافت النوراب غرب شندي نازحي الحرب بالجُود والكرم المعاهو بشاشة وأبوابُ بيُوتهم مفتوحةٌ ضلفتين.

ثم..
ديمُ القرّاي نُقطةُ الدائرةِ في قُري ونجوعِ أهلي الجعليين وهي في الروايات الموثوقةُ نسبةً إلي الشيخ محَمّد المُلقب بالقرّاي وابن الشيخُ أحمد المُلقبُ بسِمساعة.
أهلهُا= الديم= كجِبلةِ الجعليين كُرماءُ ذوو محتدٍ أصيل لسانُ الرضيعِ منهم:

نحنُ في المِشتاتِ ندعو الجفلي..
فلا تري الآدبَ منا ينتقر

الحربُ تتسعرُ بنيرانِ الجنجويدُ مقطُوعو الطَاري مجذّوذو الأصلِ لا سَراةَ لهم يستزّلونَ الناسَ يُخرجونهم من بلدّاتهمِ لينزحوا صَوناً لأرواحهم وأعراضهم وأموالهم غيرَ أنّ المالَ والممتملكات عاريةٌ مُستردة.
نزحَ الآلاف إلي مدن السُودان الآمنةُ لتكشفَ الحربُ سُوءِ بعضَ أهل الأقاليم غيرَ أنها تُجلي نَفاسةَ مَعدنِ بعضِهم ومن هؤلاء أهلنا جهةُ شندي وربوع شندي.
مشهدٌ مؤثرٌ وأبا الطيب المتنبيء أسفلَ الركبِ يُنشدُ شِعراً في الوداعِ وفراقِ الأحبة:

رحلتُ فكمْ باكٍ بأجفانِ شادنٍ عليَّ
وكم باكٍ بأجفانِ ضَيغمِ

وما ربةُ القُرطِ المليحُ مكانهُ
بأجزعَ من ربِ الحُسام المُصممَ

ثمّ وسيّدةٌ ممن أقامت بينَ ظَهرانيّ أهلُ ديم القرّاي تُفارقُ فراقَ وامقٍ لتُثني ثناءً عاطراً ماطراً:

وتفوحُ من طيبِ الثناءِ روائحٌ لهم بكُلِ مكانةٍ تستنشقُ

مِسكيةُ النفحاتِ إلا أنها وحشيةٌ بسواهمُ لا تَعبقُ..

ديم القراي وأعيانُ قرية النوراب غرب شندي واهل السودان قاطبة يطربون مع الكاتب الروائي بركة ساكن يذّمُ ملاقيطُ الجنجويد ذّمَاً بوصفٍ بليغ:-

( ..قومٌ عليهم ملابسُ مُتسخةٌ مُشربةٌ بالعَرقِ والأغبرةِ يُحيطونَ أنفسهُم بالتمائمِ الكبيرة،لهم شُعورٌ كثةٌ تفوحُ منها رائحةُ الصحراء والتشرُد علي أكتافهم بنادقُ تطلقُ النارَ لأتفهِ الأسباب وليست لديّهم حُرمةٌ للروحِ الإنسانية.
لا يُفرقونَ مُطلقاً مابينَ الإنسان والمخلوقات الأخري ” الكلاب الضالة ” وتعرفُهم أيضاً بلغتهم الغريبةُ ” الضجر ” وهي عربي النيجر أو الصحراءُ الغربية ليس لديهم نساءٌ ولا أطفالُ بنات.
ليس من بينهم مدنيّ ولا مُتدين ولا مُثقف ليس من بينهم مُعلم أو مُتعلم ،مدير أو حِرفي.
ليست لديهم قريةٌ أو مدينةٌ أو حتي دولة.
ليس لديهم منازلُ يَحنون للعودةِ إليها في نهايةَ اليوم..
أهونُ لجملٍ أن يلِجَ من ثُقب إبرة من أن يدخُلَ جنجويدُ ملكُوت الله )

ليصلك كل جديد انضم لقروب الواتس آب

Leave a Response

13 + ثلاثة عشر =