لبيك فاشر السلطان لبيك يا سودان :هَلُمَّ سلاحي لا أبا لكَ إنني أرى الحربَ لا تزدادُ إِلا تماديا

للمرة الأولى في حياتي أشعر بهذا الكم من الالم والقهر ، واحس بالعجز الذي يكبل الخطى ويجتاح الجوانح ،وللمرة الاولى لا اتوانى عن استخدام مصطلح (الدياثة الوطنية ) علنا ولا أبالي .
مدينة الفاشر لمن لا يعرفها هي مزيج من التاريخ والجغرافيا غريب جدا ، فالفاشر على قدم عهدها تاريخيا الا أنها مدينة تمزج تاريخها ذاك بمدنية تتضح جليا في ثقافة ابنائها واناقتهم حيث يقابلك أحدهم بعد أن تسبقه رائحه عطره المميز ، وما أن تجلس إليه إلا وتجد نفسك أمام مثقف المعي غزير المعرفة عميق التجربة ،اما إذا كان محدثك من الأجيال الأكبر عمرا فلتستعد للغوص في تاريخ المدينة التليد ولات حين تدوين لانه لن يبقي لك وقتا للكتابة لانك ستلهث حتما وراء المعلومات الغزيرة والأحداث المثيرة ولن يتوقف محدثك الا حينما يطرق في تواضع وهو يسرد لك حادثة هي الأولى في التاريخ السوداني الحديث ،واعني حينما قام الشيخان محمد ابو اليمن (والد الشيخ بابكر محمد ابو اليمن )وعباس محمد نور(والد الشاعر عالم عباس ) بحرق العلم البريطاني في رابعة النهار ممرغين كبرياء الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس في التراب إذ ربما هو أمر لم يحدث من قبل على مستوى العالم .
من الناحية الاجتماعية ربما سبقت مدينة الفاشر مدينة ام درمان في ظاهرة النفاجات بين المنازل فحينما حللت ضيفا يوما ما على إحدى العائلات الشهيرة بالفاشر كنت دائما في حاجة إلى من يقودني إلى الشارع الرئيس إذ أنني دائما ادور في حلقة مفرغة بين المنازل المتراصة والأنيقة الفخمة .
استدرجت سعادة الفريق أول ابراهيم سليمان كثيرا ليتحدث إلي عن مدرسة الفاشر الثانوية (مسرح حرق العلم الانجليزي) إلا أنه تمنع بسبب أن مدرسة الفاشر الثانوية صرح تاريخي سياسي عميق البحر حيث أنها كانت مسرحا للسياسة والثقافة والفن في آن إذ أنها التي تخرج فيها سعادة الفريق ذاته والاستاذ القاص ابراهيم اسحق عليه رحمة الله والأساتذة حامد علي محمد نور والشاعر عالم عباس والشهيد القرشي شهيد اكتوبر والأساتذة الاجلاء التجاني صالح ابو اليمن رحمه الله وادم ابراهيم موسى (ادم دين) حفظه الله وغيرهم كثر من اعلام الطب والهندسة الادب والفن والثقافة .
الفاشر التي صدت حتى الآن أكثر من مئتي هجوم من اوباش مليشيا الجنجويد ما زالت تقدم ارتالا من الشهداء آخرهم الطبيبة التي قطعت نياط قلبي بحضورها الطاغي وجسارتها الفذة وشهادتها الباذخة الشهيدة الدكتورة هنادي حامد بابتسامتها المرسومة بعناية على وجهها النبيل ونحن ما زلنا نجوس بين ارتال ممن لا يخجلون من إبداء انحيازهم للمليشيا وداعميها من دول الشر الامارات وتشاد قاتلها الله من دول لا حياء لقادتها وهم ينهشون لحم شعب بنى لهم مجدا ورفع لهم عزا .
ثم ماذا بعد ؟
منذ فترة ليست بالقصيرة تحضرني قصيدة ابي محجن الثقفي :
كفى حَزَناً أن تُطعَنَ الخيلُ بالقَنا
وأُصبِحَ مَشدوداً عليَّ وَثَاقيا
إذا قُمتَ عَنّاني الحديدُ وأُغلِقَت
مَصارعُ من دوني تُصِمُّ المُناديا
إلى أن يقول :
هَلُمَّ سلاحي لا أبا لكَ إنني أرى الحربَ لا تزدادُ إِلا تماديا
وهانذا وبعد هذا العمر وقد شارفت على الستين من عمري اتمثل ابيات الثقفي واضمر أمرا هو الأقرب إلى قول الشاعر :
لا صحو اليوم ولا سكر غدا
اليوم خمر وغدا أمر
لبيك فاشر السلطان ………..لبيك يا سودان