اول خبر صحفي كتبته وتم نشره كان في صحيفة اسمها (الشماشة) حرصت ان يكون هتافيا ومباشرا حسب فهمي الغر حينها وانا دون السادسة عشرة من عمري ،وقد ارسلت خبري بالبريد وطفقت اتوقع نشره يوميا منذ يوم ارساله من مدينة الدلنج الى ان تم نشره بعد عشرة ايام تقريبا والغريب انني لم اجده ووجده العديد من قراء الصحيفة بمدينة الدلنج فانهالت علي التهاني والبعض حضر شخصيا الى المنزل ليقدم التهنئة لوالدي رحمه الله وقد كان عليه الرحمة يعدني لاكون طبيبا وكان يناديني يا دكتور حتى انني كتبت اخاطبه …..وابوي يقول :دكتور تعال هاك امسك النضارة دي واكتب روشتة وافحص الالم الهنا ….دكتور انا؟وانا جيت بقيت دكتور حروف اكتب روشتات للجميع …احرف منمقة بالنجيع …………..،الاحزاب ارسلت مناديبها لضم هذا الصحفي الهمام وكان التجنيد يسبقه لقاءات مثل فترة الخطوبة ،وبما أنني كنت صحافيا مرموقا حسب تصنيفهم فقد جاءني فطاحلة الساسة وقتها ودبجوا لي الخطابات الانيقة عن السودان هذا الوطن الجميل والذي يجب العمل من اجله ،والحق يقال كانت فترة ثرة شربت فيها من مواعين السياسة حتى كدت ان ارتوي فانقذني من هذا الحال انتخابي رئيسا لاتحاد مدرسة الدلنج الثانوية وبما انني كنت مستقلا حينها فقد حرصت على العمل مستقلا الى ان انتهت الدورة بانجاز عظيم بتنظيم رحلة للصف الثالث بالمدرسة الى جبل مرة في تكاتف جميل من اعضاء الاتحاد حسنين مرحوم ومحمد الامين ونديم حامد تبري باشراف استاذنا الراقي الدكتور الآن عبد الرحمن شنتو البليل الذي اشرف على الرحلة في رفق واحترام متبادل الى ان عادت وكان من اسباب نجاح الرحلة وجود شقيقي المرحوم المهندس يوسف محمد علي وقتها بمصنع نسيج نيالا حيث منحنا خروفين وسيارة لنقل المجموعة الى ومن منطقة قلول بجبل مرة ،
ايضا انقذني من احابيل السياسة بعدها التحاقي بقوات الشعب المسلحة وتلك قصة اخرى ابعدتني من السياسة والصحافة في آن معا إلا من بعض الكتابات في جريدة القوات المسلحة او برنامج اذاعي مدته خمس دقائق بمعية صديقي المرحوم سام المبشر حي الله وهو البرنامج الذي كان نواة لاذاعة القوات المسلحة
إلا ان هنالك لحظة فارقة في حياتي المهنية كصحافي وهي حينما قابلت الصحافي الهرم الراحل عبد الله عبيد فقلت له انني اريد الكتابة عن احدى المؤسسات منتقدا بكلمات نارية فقال لي بهدؤئه المعروف:يا عمر يا ابني ارجو ان تحترم عقل القارئ ولا تملي عليه فكرتك ،فإذا اردت ان تكتب منتقدا شخص ما مثلا فعليك إنشاء معادلة بها مساوئ ومحاسن من تريد انتقاده وان تترك حل المعادلة للقاري الذي سيحترمك وسوف يكون فكرته الخاصة عنه وتكون بذلك قد خرجت من عباءة الهتافية الى الصحافة المحترمة .
الشاهد في كل ما تقدم ان الصحافي مهما ولغ في أواني السياسة فانه يجب ان يحترم من يكتب له اي القارئ العادي الذي يتابع باهتمام ويريد ان يرى آلامه واحلامه فيما تكتب ،في الاونة الأخيرة ضيقت وزارة الأعلام على الصحف والصحافيين بصورة مزعجة حتى ان وزيرا سابقا للاعلام قيد الاعلان الحكومي (وهي المعلن الاول في البلاد) على شركة بعينها وهي شركة تجارية وذلك لحرمان صحف بعينها منه وللتضييق على الصحافيين الذين ترفدهم الاعلانات بالمزيد من الاموال على رواتبهم الهزيلة،بل حتى انه تم الايعاز للسيد رئيس الجمهورية ان هنالك صحافيين كانوا مع الحكومة فاصبحوا ضدها ،في الجانب الآخر يريد القارئ من الصحف ان تنشر مقالات نارية وتحقيقات عن الفساد واخبارا تنال من الساسة ورجال الاعمال فلا يجدها فيلقي بالصحيفة على تربيزة المكتبة وهو يسب ويلعن والمسكين لا يدري ان تلك الاخبار التي يريدها قد تتسبب في مصادرة الصحيفة من المطبعة او اعادتها منها كما يحدث هذه الايام.
ثم ماذا بعد؟
الصحافة السودانية دخلت مأزقا قد لا تخرج منه قريبا لاسباب اهمها ان معظم الصحف باتت محسوبة اما على الحزب الحاكم او احزاب اخرى شريكة او مناوئة له، كما ان معادلة قيمة الصحيفة وقيمة الرغيفة باتت صعبة التحقيق مع نهم القارئ لمتابعة صحيفته المفضلة هذا فضلا عن دخول الانترنت وما حمله من ثقافة جديدة للقراءة ومواقع الاتصال الجماهيري وتتبعها للاخبار ثانية بثانية غثها وسمينها ،وإن كان هنالك ضوء في آخر النفق فهو أن قراء مواقع التواصل الجماهيري اصبحوا يعودون الى الصحف للتأكد من صدق الاخبار التي تردهم كما ان الصحف باتت تستفيد من سرعة تلك المواقع لنشر قصاصاتها ما يعيدها الى يد القاري وإن كان بلا (نكهة) او عائد سوى الصيت الذي بلا غنى.
وأذكر في احداث سبتمبر من العام الفين وثلاثة عشر انني كنت اجد عنتا في الوصول الى الصحيفة وقد اغلق المتظاهرون الطرق الرئيسة فتمثلت قول الممثل عادل إمام (دول يضربوا ودول يضربوا)،فالحكومة ترى اننا في صف الشارع والشارع يرى اننا مع الحكومة .
والله المستعان