كتبت في نهار تكريمه علي صفحات الوطن مقال “عبد العزيز المبارك.. كارمن ولانجستون هيوز”، وطلبت من إدارة التلفزيون وقتها ان تنقب في أرشيفها عن سهرة خالدة بثت أوائل الثمانينيّات قدمها متوكل كمال وكان ضيوفها عبد العزيز المبارك وخوجلي عثمان ..ذلك لان الشجن الذي سكباه في تلك السهرة عالقا بالذاكرة ولايزال يغذي الروح..وهما نجوم ذلك الزمان واكثر المطربين تاثيرا علي القلوب المرهفة وامواج العشق والغرام سيرا علي خطي العندليب الراحل زيدان ابراهيم.
كان مقترحي لاعادة بث تلك السهرة والتي كانت قبل سنوات بصورة متزامنة، مصدره عمق الاحساس من مخزون الوجدان بسبب انها لاتزال حية في دواخلي.. علي انني لم أكن ادرك وقتها عمق العلاقة بين الراحلين عزيز وخوجلي …
الا قبل ايام بعد ان وصلتني -عند منتصف الليل- الرسالة المنشورة مع هذه الجدارية التذكارية من “صديق العمر” احمد عبد الله عبد القادر الشهير منذ الدراسة الجامعية بالإسكندرية باسم “احمد كارمن” …
وذلك قبيل ذكري اربعينية الراحل عبد العزيز المبارك بأيام قلائل…
فمنذ وصول الخبر الحزين بانتقال عزيز الي دار البقاء والتي حدثت بالقاهرة طفقنا ننقب عن احمد كارمن لنعزيه في فقدنا وفقده الكبير..لكن بلا جدوي.. فغاب كل اثر يؤدي اليه!!
في بيت العزاء ..
عبر كل أرقام الاتصال..
او من يعرفه من الأهل والإفادة الوحيدة انه كان مع الراحل في القاهرة حتي لحظاته الاخيرة ومتوقع وصوله في اي لحظة لكن طال انتظرنا..
حتي انتاب القلق “مجموعتنا الصغيرة” التي تعلم عمق العلائق والرباطات الاسرية .. فهاهو القانوني محمود القوصي يسأل منزعجا عنه وكذلك الاستاذ اسامة عِوَض الكريم المحامي والصحفي عاطف صيام والحبيب هشام عمر الأمين …
و القوصي كعادته في تفقد الاخوان يسأل بعد إيام مرة اخري ..و بقلق… عن اختفاء كارمن … وأفادتي له التي امن عليها الاخ اسامة:
أكيد ان احمد غارق في احزانه علي هذا الفراق و منعزل … وانت تعلم بانه بمثابة الابن لهم… فزوجة الراحل عزيز ..الاخت مها.. هي عمة الاخ احمد كارمن الذي تشكلت كل محطات حياته بهم واقرب الناس اليهم وهو الذي حضر الي السودان وقف خلف حفل التكريم الذي تم للراحل عبد العزيز المبارك ونهضت به لجنه من محبيه واهله..
في ذكري اربعينيته ارجو ان أتيح ما كتبته في تكريمه ..كما ارجو ان افسح المجال لكلمات الأخ الحبيب احمد عبد الله عبد القادر ” كارمن” والتي وصلتني بعد اربعين يوما من انتقال عزيز و تمثل افقا جديدا لشفافية الفنان والتي هي عوالم لانهائية من الرقة والاحساس والمشاعر..وهو شي تختلف درجاته وعمقه بين الناس ويعرفه خاصتهم واقرب الناس اليهم.. رحم الله عزيز بقدر ما أسعد واطرب قلوبا هي اليوم حزينة وتدعوا له في كل الخطاوي التي تماثل سعيه الابداعي الحنين الطروب..
ولا تكتمل هذد الجدارية الا بلمسات و دفقات اخي الحبيب الاستاذ مصعب الصاوي التوثيقية الابداعية تمثيلا لاهل الفنون والاختصاص فيزيد من بهائها ومرجعيتها عن الراحل عبد العزيز المبارك شهادة موثقة للاجيال.
محمد امين ابوالعواتك
عزيز” “ احمد عبد الله عبد القادر
في ذات مساء من عام ١٩٩٤ اقتحم ذلك المهووس نادي الفنانين و غرس سكين الغدر المسمومة تلك في وجدان الامة… فقتل الراحل خوجلي عثمان و جرح من جرح..
بعد لحظات وصل الخبر ( للعزيز) و هو في “ليل الغريب” اخذ يبكي و ينتحب و يهذي بكلمات لن انساها ابدا …. كلمات اتت مخنوقة بعبراته غارقة في دموعه:
…وقد كان هو بالفعل!!”كان ممكن اكون انا ”
في تلك الليلة انزوي في غرفته و اغلق الباب عليه و لم يخرج علينا كعادته كل ليلة..
من وقتها لم يعد عبدالعزيز المبارك كما كان ابدا…ً
سبب له ذلك الحادث والفقد جرحا بليغا ظل ينزف بداخله ويعاني منه كل تلك السنوات…
جرح اليما لم يشف منه و لم تخفف المه المسكنات و المهدئات..
ذلك الجرح هو الذي ادخله عالم الصمت ثم أقعده وظل ملازما له حتي الرحيل..اي امة تلك التي تغتال أصوات البلابل كما قال نزار!
اي فكر و جماعة تلك التي تقتل مبدعيها و صناع فرحها و بهجتها والذين صاغوا وجدانها، بل كيف يكون الابداع جريمة تستحق القتل ؟
قال لي عزيز يوما:
“اهم حاجة المَحْنّه بين الناس ”
كان يتحدث بقلبه فأتت كلماته مغلفة باحساس صادق عميق..
ذلك الاحساس الذي يجعل صوته يتهدج بتلك البحة الشجية عندما يصدح بالغناء..
” المَحْنّة بين الناس”
بكل تلك المحنة و الحنان و التحنان
الذي أعلمه عنه منذ ان فتح لنا قلبه و بيته و حياته
و خبأنا في مهجته..
واحتوتنا ضلوعه قبل جدران بيته الدافئ..
حلق بنا فى مدارات ما كنا لنرتادها دونه..
مدارات فسيحة انيقة ساحرة مليئة بالبهجة و الفرح..
عبقة بـ “عبير زهر البنفسج ” يغمرها “شعاع الكوكب الفضي” و آلاف من ” نجوم الليل” المتلألآت ترصع سماءها..
كل الاحزان ان تبدأ ذكر “عزيز ” لديك باحرف ثلاث “كان” احرف ثلاث تغير كل مضارع الي ماضي و كل حضور الي غياب .. منتهي العذاب
عزيز لديك يهبك كل معاني الحياة بحياته و يقتلك بموته
ها هو شهر مضي و ما زلت اظن بانني عندما اعود سأجده جالسا في ذاك الكرسي يحدق في تلك الشاشة المعلقة في الجدار امامه.. يتابع بغير اهتمام احدي القنوات و هو يمسح علي شاربه بابهام و سبابة يده اليمني.
شهر مضي و ما زلت لا أقوي علي ان اتقبل فيه العزاء من احد
او ان أُعزي فيه احد…
يا حليلك تميل و تسرح في الغنا
يا “راحل”
بعيد و انت في قلبنا
ايامنا بتمر و اليوم بسنه