ويُريحُ العبادَ من بعضِ شِرار الناسِ ويفضحُ الخائنَ
✍️ مُحمّد عُكاشة
من أعظمِ الدروسِ المُستفادةُ بعدَ توقفِ الحرب أو بعدَ دحرِ الجنجويدُ الأوباش هو العملُ علي إصلاحِ ما بأنفسنا من شُحٍ وأثرةٍ وجشعٍ مقيت.
أحكي قصة..
أيامَ التهجير القَسري لمُواطني الخُرطوم والجزيرة من قِبل الرباطةِ الجنجويد تكاثرتِ وفودُ السُودانيين عبر مهلكةِ التهريب الي مصرَ والكثرةُ الغالبةُ سيداتٍ رفقةَ أطفالهن.
غالبُ أولاءِ النسوةُ أو أولئك الرجالِ رغمَ مخاطرِ التهريب من نجا منهم أو منهنّ تزاحموا من مُدنٍ آمنةٍ مُطمئنة حتي لحظةِ الكتابةُ هذي.
سيّدةٌ ذاتُ صلةٍ بمدرسةٍ سُودانية فتحت بين يديّ أشهرِ الحرب الأولي تستثمرُ لتزايُدِ عددُ السُودانيين في القاهرة.
السيّدة تهيبُ بقريباتها في المدينةِ الوادعةُ عندَ منحني النيل وقد شهدت المدينةُ نزوحُ بعضِ أهلها من مناطق الحرب وهؤلاء وجدوا مَلاذاً آمناً مُستحقُ بين أهليهم ( ناس البلد) رغمِ جفوتهم لبلدهمِ الأصلُ سنينَ عَدداً غيرَ أن عَدداً من النازحينَ من غيرِ أهلها لاذّوا إلي ذاتِ البلدةِ وحينذاكَ أطلَ الجشعُ برأسهِ يتطاولُ بالايجارات الباهظةِ من بعضِ السُكان الذّينَ كانوا ينُشدون ذاتَ يوم :
أنا لو ماجيتا من زي ديل
وااامأساتي وااااسفي
وبتنبَر واقول للدنيا ديل أهلي..
ديل أهلي
لكن بخلافِ هَؤلاءِ العُصبةِ نفرَ من ناحيةٍ أخري آخرينَ فُضلاءُ في مُدنٍ أخري أوفوا مَوثقاً مع الله ومن هؤلاء صلاح علي حامد في النوارب غربِ شندي يفتحُ بُيوت أهلهِ لجيرانهِ نازحي الخُرطوم ضلفتين ولايمنُن ولا يَستكثر.
المُهم..
السيّدة هذّي تستعجلُ بنات أهلها للقدومُ إلي القاهرة وأن يستأجروا البيوت هُنالك للنازحين المُستجيرينَ من نارِ الحربِ إلي رمضاءِ الجشعِ.
المُستثمرةُ بآخرهِ تحضُهنّ بضمانةِ تعليمِ أولادهنّ في مدرستها بل وتكَفلت بايجادِ شُققٍ بأسعارَ زهيدةَ للسُكني بعضُهنَ فوقَ بعض عِوضاً عن الحيشان المتلاصقةُ وبالجوارِ من المدرسة والحياةُ بمصرَ رخَاءً سَخاءً والعيشة مَعدن.
ثمَ البكاسي تقومُ من أبي حمد عصُر تقجُ قَج عَجاجةَ فوق لجَاجه والسواقين في عالم تاني ومزاج عالي وشِيتن يحير.
السيّدات الفُضليّات وصلنَ بالسلامة وشَرَفن حواري القاهرة المُزدانةُ الأنوارُ يَستغربنَ حيثُ ولا واحدةٍ منهن جاءتها من ذي قبل.
السيّدة صاحبةُ الاقتراح تكسبت من عُمولة إيجار الشقق ومن رسوم الدراسه لتقومَ السُلطات المِصرية بإغلاقِ ذاتِ مدرسِتها ومَيتينا ذّاتو.
هَؤلاء النسوة ظللن يُكابدنَ العيشةَ بحق إيجار البيوت المُستقطع في السُودان وقد غادرَ المؤجرون بُيوتهنِ إلي أمدرمان بعد تحريرُ الإذّاعة فالايجارات في كرري والريف الشمالي أخفُ وأرحمُ من بعضِ مُدنِ الولايات بل والبعضُ وجدَ مسكناً بالمجان من البعض في مدينةِ أم درمان.
هؤلاءِ النسوةُ يقتفينَ دعوةُ قريبتهنّ قد تَقطعت بهنّ السُبل ليَشقينَ بضمانةِ الرجوع يبحثنَ عبرَ برنامجُ العودةِ الطوعيةِ ( راجعين ) والحياةُ زادٌ وتجرُبةٌ ودروسٌ لمن ألقي السَمعَ وهو شهيد.
الحمدلله ربِ العالمين مدينةُ بحري سرُ الهوي خاليةٌ من الملاقيطُ.. وفي مدني الزهور بَسمت لينا.. وغداً الخُرطوم العندي جمالك جنة رضوان عَودا حَميدا مُستطاب.
سُئل ابن سينا: هل في الحربِ خير؟
فقالَ:
يصطفي فيها الله شُهداءَه، وينقلُ فيها بعضَ عبادهِ إلى أرضٍ أخرى فيها رزقٌ لهم ما كانوا ليسعّوا إليه طواعيةً، ويغفرُ فيها سيئاتِ بعضهم ويرفعُ درجاتِ آخرين، ويُريحُ العبادَ من بعض شِرار الناس، ويفضحُ الخائن، ويكشفُ ذا الخُلق وتنجلي معادنُ البعضِ ثم تمضي كما مضي ما قبَلها من ابتلاءات ويبقى الأجرُ لمن صبرَ والوزرُ لمن فجَرَ وكفرَ.