لن تهدأ محطات التلفزة العربية في بحثها المحموم عن كل ما هو ما مثير. فكيف لو كان الموسم الرمضاني الحالي تلفزيونياً بامتياز، خصوصاً في زمن الحجر الصحي وكورونا، والذي يعني فعليًا التسمُّر لأوقات طويلةٍ حول شاشات التلفزة. اختلف كل شيء منذ نحو شهرين، العالم يعيش في الرعب والخوف، ويريد البحث عن مرفأ آمن. لكن المحطّات التلفزيونية العربيّة لا تهتم بهذا الأمر إطلاقًا، بل إن كل ما تهتم به هو البحث عن مشاهدٍ تصطاده هذه المحطات بفعل “الإثارة والتشويق”، لعله ينقذها من المنافسة الشرسة مع مواقع التواصل الاجتماعي ومنصّات العرض البديلة.
لم تكن برامج المقالب قبل عقود إلاّ مجرد “تحلاية” على مائدة التلفزيون، سواء داخل الموسم الرمضاني أو خارجه، لكنها، قبل سنوات، تحولت إلى محتوى ترويجي تسويقي، إذْ تحاول محطة MBC التربع على عرش هذا النوع من البرامج والتفرد به، بعد أن استثمرت في الممثل الكوميدي، رامز جلال، منذ سبع سنوات لصالحها، والعمل طوال أيام السنة لتنفيذ برنامجه الخاص بالمقالب مع الفنانين.
تحوّل رامز جلال في السنوات الأخيرة إلى أداةٍ تسويقيَّة، لا تخلو من الاستهلاك. إذْ صار الممثل الذي لم يسعفه الحظ كثيراً في السينما والدراما، إلى “روبوت” سنوي متحرك بيد MBC. كوميديا هي أقرب إلى التهريج المزعج، إذْ يتخذ من إهانة الضيوف (الضحايا) قاعدة في الرد على أسئلة تُطرح على الضيوف. لا سقف لإهانات رامز جلال لضيوفه، ولو كان الاتفاق المسبق مع “الضحية” يُجيز ذلك. إذْ يوقِّع ضحايا برامج المقالب على عقد من قبل المحطات المنتجة، للقبول والتسليم بكل ما يحصل على المسرح أو في الطبيعة، والسماح بعرض المقلب على الهواء مقابل مبلغٍ ماليّ يتّفق بشأنه مع الشركة المنتجة.
قبل سنوات، ارتفع الصراخ والنقد تجاه هذه الظاهرة أو هذه النوعية من البرامج. الإعلامي اللبناني، طوني خليفة، حمل دفة الدفاع عن “ضحايا” هذه البرامج، وناقش خبراء وأطباء في علم النفس في انعكاسات ما يحصل على المشاهد أو الفنان. ورغم إغفاله لعنصر معرفة الفنان المسبق بالمقلب، أو التحايل على هذا الشرط الرسمي، لم يفلح خليفة ولا غيره من المنتقدين لهذا الأسلوب في البرامج الترفيهية في إيقافها. على العكس، يبدو أن المحطات تريد المزيد من هذه المقالب، مع توظيف الأكشن لكسب الجمهور، وإثارة الرأي العام الذي يتابع هذا النوع من البرامج. هذا الرأي ينطبق تماماً على آخر نسخة من مقالب رامز “مجنون رسمي” التي يصل بها رامز إلى حد تعذيب ضيوفه.
الأسلوب يتجاوز حدّ إهانة الضيف والحط من شأنه، وهو مسلوب الحرية ومقيد على كرسي كهربائي مخادع. نرى أن جلال يحاول صعق ضيفه بالكهرباء، وكيل الشتائم من دون مبرر، لمجرد كلمة يقولها الضيف. أسلوب أقرب إلى السادية، يفتح الباب على مزيد من الأسئلة حول جدوى هذا النوع من الترفيه في ظل “الرعب” العام الذي يعيشه العالم. وتم توجيه الكثير من النقد إلى المحطة الداعمة بالدرجة الأولى، فهي ترعى هذا النوع من الإنتاجات وتقدم كافة التسهيلات له.
أسلوب لا يدل سوى على انعدام الأفكار الترفيهية، وتكرار لنفس المقالب التي تحصل كل عام، والتي تتخذ من السادية أسلوبها الوحيد.
صحيفة العربي