الاخبار

هيثم كابو : الطوارئ والعبث الإداري!

208views

] لهث محموم.. ركض غير مبرر.. وتمتمات لا يفهمها أحد تخرج من بين شفتي الطبيب بعد أن حاصره أهل الأم التي تنتظر أسرتها الاحتفال بمولودها الأول مستفهمين بقولهم: (أها يا دكتور بشِّر ولد ولا بت.. وعمليتكم مالا اتأخرت كدا.. معقولة ولادة سبعة ساعات كاملة.. ما تتكلم يا دكتور مالك اتبومت النسوان ديل دايرات يزغردن ويوزعن الحلاوة ؟؟).
] والدكتور الذي يتصبب عرقاً ويتدفق انتهازية، كان الأحرى بالخجل أن يُبلِل رأسه قبل أن يجيب بقوة عين: (حقيقي العملية كانت صعبة، وخياراتنا محدودة، وما كان قدامنا غير خيار نضحي و).. وقبل أن يكمل حديثه الذي بات واضحاً من عنوانه، يلتقط والد الزوجة التي ترقد ممددة داخل غرفة العمليات القفاز بكثير حكمة وعميق إيمان ليخفف على أفراد أسرته هول الصدمة مستبقاً دوي عاصفة الفجيعة لمن يترقبون قادم جديد بقوله: (عارفين يا دكتور انتو ما بتقصروا، لكن الحذر ما بنجي من القدر.. وطالما ضحيتوا بالجنين عشان تنقذوا الأم إن شاء الله ربنا يعوضا.!)، والدكتور يرد بوقاحة نافياً: (لا ما ضحينا بالجنين عشان ننقذ الأم.. العملية خلتنا أمام خيارات محدودة، فضحينا بالجنين والأم عشان ننقذ المستشفى).!!
] وهذه المعالجة البلهاء التي قام بها طبيب الغفلة، هي ما يفعله مجلس الأمن والدفاع ببلادنا الآن حيال كارثة الفيضانات التي أودت بحياة ٩٩ شخصاً هذا العام، فالمجلس الموقر أعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وبدأ في استقبال المعونات الخارجية، مع أنه للأسف الشديد، لا يريد أن يعين نفسه وأهل بلاده بتحريك ساكن بغية إنقاذ الناس، ويكتفي بالولولة في الاجتماعات الرسمية، بينما لا يقدم أدنى مساعدة ممكنة على أرض الواقع، وكأنه يحتفظ بالآليات لليوم الأسود، فهنيئاً لنا؛ ولهم؛ بما يدخرونه من معينات.
] من الطبيعي جداً أن تُسفِر الفيضانات عن إصابة حوالي ٥٠ شخصاً، ويتضرر أكثر من نصف مليون فرد، ويحدث انهيار كلي أو جزئي لمئة ألف منزل، طالما أن مجلس الأمن والدفاع يعلن على رؤوس الأشهاد حالة الطوارئ، بينما يترك قوات الدفاع المدني وحيدة في وجه الكارثة بلا أدنى إمكانيات، وحتى لا تظنون أننا نتحامل على معلني الطوارئ، إليكم الوضع ميدانياً من خلال زياراتي المتكررة، لمعظم المناطق المنكوبة والمتضررة:
] أولاً: إعلان حالة الطوارئ، يعني التدخل العاجل بهدف الحيلولة دون تفاقم الوضع، وجعل إمكانيات الدولة رهن الإشارة حتى تنقضي مرحلة الخطر، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، فللأسف الشديد، على مستوى الكوادر البشرية المكلفة بتلافي مخاطر هذه الكارثة غير المسبوقة، لا يوجد في معظم المواقع غير قوات الدفاع المدني، التي تعمل ببسالة نادرة، وتفان غير مسبوق شاهدناه بأعيننا وتقضي الليل والنهار بالمواقع المختلفة، رغم قلة عددها، مع مساعدة شباب نفير وبعض الأهالي والمجموعات الطوعية، في ظل غياب تام لبقية وحدات قوات الشرطة، والقوات المسلحة، فمن يتجول داخل ولاية الخرطوم ما بين (ود رملي، اللاماب، أم دوم، العيلفون، الكلاكلات، الشقيلاب، جبل أولياء، توتي، وغيرها من المناطق)، لا يجد أثراً يذكر لأية قوات نظامية باستثناء رجال الدفاع المدني، رغم إعلان حالة الطوارئ، لذا يجب الا تخدعك صور الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في زيارة بعض المتضررين، والتلويح بيده داخل المركب من بعيد، فتلك الصور تصلح للتداول الإعلامي، ولكنها لا تتكرر مع معظم منسوبي القوات النظامية، ربما لأن معظمهم ليسوا في حاجة لـ (تفويض).
] ثانياً : خلال جولاتنا الميدانية، ظللنا نسمع عن (غرفة طوارئ مركزية)، ولكننا بصراحة لا نجد لها أثراً واضحاً على الأرض، فإذا أخذنا مثالاً واحداً ما حدث بشارع النيل جنوب كبري المنشية في الساعات الأولى من صباح السبت الماضي ندرك حجم التقصير، فانهيار جانب من الترس جعل المياه تغمر الشارع تماماً، والقوات الموجودة هناك كانت بحاجة عاجلة لـ (قلاب تراب ولودر)، ولكن المسؤول عن تحريك تلك القلابات غير موجود ساعتها، وتطميناته الهاتفية لا قيمة لها مع تدفق المياه؛ وتسرب الزمن بين الأصابع، بينما السائق لا يمكن الوصول إليه، ولولا جسارة المقدم بدوي محمد حسين قائد فرقة الإسناد والتدخل السريع بالدفاع المدني، وأفراد قوته، وشباب المقاومة، لحدث ما لا يحمد عقباه، فقد ظلوا لساعتين أو أكثر ينقلون التراب بالبكاسي، ويضعون (شيكارات الخيش) هنا، ويسدون الثقوب المتمددة بالحجارة هناك، ويستنفرون كل طاقاتهم في المعالجة الصعبة و(محاولات التلتيق)، والغرفة المركزية تغط في نوم عميق.
] ثالثاً : لماذا لا تريد الدولة (قبل فتح المطار لاستقبال الدعومات الخارجية) استنفار كل الأجهزة والوحدات الرسمية للمساعدة، وتوفير أكبر عدد من الآليات طالما أن الوضع كارثي، فهل عجزت كل مؤسسات الدولة بما فيها القوات المسلحة، والدعم السريع عن توفير عربات (لودر، وباك لودر، و قلابات تراب)، أم أن التسابق فقط لشراء العربات للمجلس السادي، و(التشريفة والبرستيج الرئاسي)، بينما لا وجود لأي نوع من العربات في وقت الكوارث، وزمن المآسي..؟
] رابعاً: يزداد عدد الوفيات بسبب الفيضانات يومياً، ويغامر الشباب وأفراد الدفاع المدني بأرواحهم لإنقاذ المنكوبين، بينما وحدة الإنقاذ النهري التي تنشط هذه الأيام على امتداد النيل تستخدم للأسف الشديد (قوارب صيد)، تماثل تماماً (قوارب الفايبر) التي يتحرك بها الصيادون، في حين أن مواصفات قوارب الإنقاذ معروفة، وينبغي إن لم تكن ذات إمكانيات عالية، أن يتوفر بها على أقل تقدير كاميرات رؤية ليلية، وبعض المميزات الفنية.
] يحسب لإدارة الدفاع المدني بولاية الخرطوم بقيادة اللواء عثمان عطا مصطفى، تواجدهم الدائم بمعظم المواقع التي تحاصرها المياه، ولكن في ظل شح الإمكانيات، وتفاقم الأزمة، لن يكون بإمكانهم السيطرة على الأوضاع، أما مجلس الدفاع والأمن الذي أعلن حالة الطوارئ بالبلاد، واستقبل المساعدات من مصر وقطر والإمارات لا ينطبق عليه المثل القائل : (جوا يساعدوه في دفن أبوه دس المحافير)، لأن المحافير جاءته من الخارج، ولكنه للأسف (جوا يساعدوه في دفن أبوه، دس الجنازة).!
نفس أخير
] سمحة البتوري ..!

الانتباهة

ليصلك كل جديد انضم لقروب الواتس آب

Leave a Response

1 × 3 =