
معركة القصر
بقلم: عوض أبكر إسماعيل
إن التاريخ يعيد نفسه .. هي مقولة مأثورة درج الناس على ترديدها كلما وقعت أحداث جسام في مسار التاريخ أو في محطة من محطاته الموغلة في القدم.. وذلك في سياق أحداث ومشاهد ربما تكون قد وقعت من قبل في ذات المكان إلاّ أن وقوع الأحداث في حد ذاته قد يجري في زمان مغاير ولفاعلين مغايرين لجهة صناعة الاحداث ورسم مشاهدها.. ويؤكد ذلك ما وقع في القصر الجمهوري ( سارايا الحاكم العام في عهد الاستعمار التركي ) من أحداث جسيمة في صبيحة ٢١ مارس عام ٢٠٢٥م والتي تمثلت في المعركة الضارية التي دارت رحاها بشراسة حول افنية القصر وابنيتها من أجل الاستحواذ عليه بين القوات المسلحة الباسلة والقوات المساندة لها المهاجمة من جهة وقوات الدعم السريع المتمردة ومرتزقتها من عرب الشتات ودول الجوار الأفريقي المستميتة في الدفاع عنه من جهة أخرى.. والتي انتهت أي المعركة بهزيمة مدوية ومذلة لقوات الدعم السريع التي أضحت مجندلة بين الضربات الموجعة لأبطال قواتنا المسلحة وصرعي بين هدير نيران مدافعهم الفتاكة.. بينما فر الآخرون منهم رعبا وهلعا من ساحة المعركة وهي تجرجر اذيال الهزيمة تاركة وراءها جرحاها تحت رحمة القوات المسلحة داخل ابهة القصر وحول تخومه .. أجل! ما أشبه الليلة بالبارحة.. فالتاريخ فعلا قد يعيد نفسه.. فنفس الأحداث المشار إليها آنفا قد وقعت مثلها في ذات المكان قبل قرن ونصف أو قليل منه.. وذلك في يناير عام ١٨٨٥م بين قائد الثورة المهدية محمد أحمد المهدي والحاكم العام للسودان وقتذاك الضابط الانجليزي غردون باشا الذي كان يعمل ساعتئذ في خدمة الإمبراطورية العثمانية والتي انتهت أي المعركة بهزيمته وقتله شر مقتل أمام بوابات القصر على أيدي قوات المهدي الذين كان يطلق عليهم الإعلام الغربي وقتذاك لقب الدراويش.. وبذلك قد تحرر السودان من قبضة الاستعمار التركي من دون رجعة والذي
امتد عهده في الفترة من (١٨٢١م_1885).. ولعل تحرير القصر الجمهوري في الوقت الراهن من بين مخالب قوات الدعم السريع المتمردة ومرتزقتها مؤخرا لم يعد حدثا عابرا.. ولا انتصارا ككل الانتصارات التي رصعت جبين الوطن وزانتها ببيارق النصر التي اخذت ترفرف فوق كل بقعة من بقاعه .. وإنما هو انتصار له وقع وأثر خاص .. وذلك لما يمثله القصر من رمزية وطنية باذخة تعبر بعمق عن كبرياء وعزة الشعب السوداني الذي لن يهادن .. ولن يفرط فيه البتة .. وقد تجلى ذلك بوضوح في ارتال الشهداء من القوات النظامية والقوات المساندة لها الذين بذلوا أرواحهم رخيصة ذودا عنه و فداءا له.. هكذا تعد معركة تحرير القصر ملحمة من الملاحم العسكرية النادرة التي ينبغي أن تسجل بمداد من الذهب في سجل النضال والتضحية من اجل الأوطان والتي برع فيها الجيش السوداني اي الملحمة أيما براعة في استخدام كل فنون الحروب الحديثة ومنها حرب المدن أو الشوارع التي تفوق فيها مؤخراً على عدوه.. فكسر بها صموده ومرغ بها كبرياءه في التراب.. فجاءت درسا بليغا له ولمعاونيه.. وإنذار قويا لكل من تسول له نفسه بالتربص بالسودان من دول الجوار الأفريقي وداعميها.