الاخبار

المقابر الجماعية في السودان.. (بطاقة هوية) لأنظمة القهر

245views

في معظم دول القهر والاستبداد في العالم العربي والإفريقي وحتى الاوربي، تم اكتشاف مقابر جماعية لمعارضين قتلوا غيلة ودفنوا بليل، والسودان لم يكن بمعزل عن هذه الأنظمة الظلامية التي تعاقبت على حكمه وارتكبت جرائم عدة ضد الإنسانية، وقامت بأعمال القتل والتشريد والاعتقال لفترات طويلة.
وربما كانت فترة الفريق إبراهيم عبود (1958 ــ 1964) وفترة الحكم المايوي برئاسة جعفر نميري، هي الأقل ارتكاباً لجرائم التصفيات الجسدية، الا أن كلا النظامين لجآ إلى تنفيذ أحكام إعدام ضد معارضيهما بعد محاكمات صورية، سيما في عهد النميري الذي أشرف بنفسه على تلك المحاكمات المعدة سلفاً، وكان يصر على تنفيذ أحكام الإعدام، وعندما سئل في حوار صحفي بعد سنوات طويلة من إبعاده عن السلطة بعد ثورة أبريل الشعبية، عما إذا كان نادماً على تنفيذ احكام الإعدام على منفذي انقلاب التاسع عشر من يوليو 1971م الذي كان يقف خلفه العسكريون المنتمون للحزب الشيوعي، فقال وقتها إنه غير نادم أبداً وقال: (كان من المفترض أن يعلقوا كلحم الشرموط بدلاً من الرصاص)، ففي تلك المحاكمات الصورية لم يفرق النميري بين السياسيين والعسكريين المنفذين الفعليين، فقد أعدم كبار زعماء الحزب الشيوعي السياسيين مثل عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ.
الأكثر عنفاً
ويرى كثير من المراقبين أن نظام الإنقاذ البائد برئاسة عمر البشير هو الأكثر قمعاً ودموية للمعارضين، ففي عهده تم تنفيذ أحكام إعدامات لضباط حاولوا الانقلاب على النظام في عام 1990م، علاوة على إجراء تصفيات سرية لا أحد حتى الآن يعرف معلومات تفصيلية حولها .
وفي فترة التسعينيات قام النظام بارتكاب أعمال وحشية إزاء طلاب مجندين حاولوا الهرب من معسكر العيلفون، وفي عهد ثورة ديسمبر كشف النائب العام السوداني تاج السر الحبر في وقت سابق، أن السلطات عثرت على مقبرة جماعية لمجندين سودانيين بالقرب من الخرطوم تعود لعام 1998م.
وأوضح النائب العام في مؤتمر صحفي آنذاك أن لجنة تحقيق من عدة جهات عثرت على المقبرة الجماعية دون أن يذكر عدد الجثث.
وحسب شهود عيان بحسب مصادر إعلامية، فإن عشرات المجندين صغار السن قتلوا أثناء محاولتهم الفرار من معسكر تدريب للجيش في العيلفون (40 كيلومتراً جنوب شرق الخرطوم)، غير أن نظام الإنقاذ البائد برئاسة عمر البشير أعلن آنذاك أن (55) شاباً توفوا غرقاً في النيل. وأكدت أسر العديد من الضحايا آنذاك أن أبناءها فقدوا بعد تجنيدهم في معسكر العيلفون. وقال وائل علي سعيد عضو لجنة التحقيق للصحافيين: )تم نبش المقبرة والآن اللجنة تواصWل عملها مع الطب الشرعي) .
وفي وقت سابق أعلنت السلطات في السودان اكتشاف مقبرة جماعية في مدينة أم درمان تحوي رفات (28) شخصاً. وساد اعتقاد بأن الرفات لضباط في الجيش أُعدموا بعد محاولة تنفيذ انقلاب في عام 1990م. وأشار بيان للمكتب التنفيذي للنائب العام في صفحة النيابة العامة السودانية بموقع فيسبوك، إلى أن اكتشاف المقبرة جاء بعد جهد استمر ثلاثة أسابيع.
وأضاف البيان أن المقبرة الجماعية (من الراجح أن تكون هي المقبرة التي ووريت فيها جثامين الضباط الذين تم قتلهم ودفنهم فيها بصورة وحشية).
مقابر المفقودين
كما أعلنت النيابة العامة في وقت سابق العثور على مقابر جماعية، رجحت أنها تضم جثامين لمفقودين منذ أحداث فض اعتصام القيادة .
وقالت النيابة في بيان إنه (بعد جهد استمر عدة أشهر، تمكنت لجنة التحقيق في اختفاء المفقودين من العثور على مقابر جماعية (لم تذكر موقعها)، تشير البيانات إلى أنها من المرجح أنها تضم جثامين لمفقودين تم قتلهم ودفنهم فيها بصورة تتنافى مع الكرامة الإنسانية).
وأضافت قائلة: (ستقوم لجنة التحقيق باستكمال إجراءات النبش وإعادة التشريح للجثث التي تم العثور عليها، بعد أن تم تحريز الموقع ووضع الحراسة اللازمة عليه لمنع الاقتراب منه).
وأكدت النيابة العامة (استمرار التحقيقات حول اختفاء وفقدان أشخاص قسرياً منذ أحداث ثورة ديسمبر 2018م بكل شفافية، تأسيساً لمبدأ عدم الإفلات من العقاب). وطالبت كافة الأجهزة المعنية وأسر المفقودين بالتعاون مع لجنة التحقيق لاستكمال تحرياتها.
وتقدر لجنة أطباء السودان المركزية أعداد المفقودين منذ اندلاع الثورة بـ (38) شخصاً.
وإضافة إلى هؤلاء المفقودين فإن تجمع المهنيين السودانيين، أبرز مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير، يقول إن المئات تعرضوا لإخفاء قسري منذ فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم.
وكان مسلحون في يونيو 2019م يرتدون زياً عسكرياً، قاموا بفض اعتصام يطالب بتسليم السلطة للمدنيين أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم بوحشية كبيرة وثقتها كاميرات لشهود عيان. وأسفرت عملية الفض عن مقتل (66) شخصاً بحسب وزارة الصحة، فيما قدرت قوى إعلان الحرية والتغيير قائدة الحراك الشعبي آنذاك العدد بـ) 128.(
نبش المقابر الجماعية
وأعلنت أمس لجنة التحقيق في اختفاء أشخاص التي شكلتها النيابة العامة السودانية، نبش المقابر الجماعية وتشريح وإعادة تشريح الجثامين لتحديد هويتها وأسباب الوفاة. وأفادت وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) بأن اللجنة وبعد الإطلاع على التقارير والمستندات وأقوال الشهود، قررت نبش جميع المقابر الجماعية وتشريح وإعادة تشريح الجثامين.
وأعلنت اللجنة أن إجراءات النبش ستتم وفقاً لهذه التوجيهات: ستؤخذ عينات من الرفات البشرية أصلية واحتياطية والسمات الإشعاعية والأنثروبولوجية الطبيعية لفحص البصمة الوراثية وترسل للإدارة العامة للأدلة الجنائية. كما سيتم تحديد أسباب الوفاة وعمر المتوفى وتاريخ الوفاة. بالإضافة إلى أخذ صورة فوتوغرافية للجثة، وتوثق الأدلة والقرائن وأدلة التعرف، ويؤخذ مقياس للعينة وفق معايير اللجنة الدولية للمفقودين. كما سيؤخذ في الاعتبار أخذ حجم كاف للعينات وكافة المواد البيولوجية المتبقية والسمات الطبية. وتخصص لكل مجهول هوية أرقام تعريفية للعينة ترتبط بالجثة وترتبط بجميع الأدلة الخاصة بها. وسيتم أخذ الصور الشكلية لسمات الأسنان وأية قرائن أو أدلة للتعرف على الجثة.
وقال رئيس لجنة التحقيق الطيب العباسي إن اللجنة التي تشكلت بعد حادثة فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم، عثرت على مقبرة تم تعديل تربتها لتكون مستوية مع الأرض، لإخفاء أدلة تشير إلى أن هناك أشخاصاً دفنوا فيها. وإذا ما نجحت اللجنة المختصة بنبش جثث المقابر الجماعية في عدة أماكن محتملة وتمكنت من الوصول إلى نتائج علمية قوية، فمن شأن ذلك أن يعمل على توضيح الفترة التي تمت فيها عمليات التصفيات الوحشية، ومن ثم البحث عن أدلة تدين الجناة . هذا إذا لم تلاق اللجنة عدداً من المتاريس في عملها، بل ربما تحويل بعض المقابر التي تم تحديدها إلى أماكن مجهولة أخرى، وعندها ستتعقد القضية وتعود اللجنة إلى المربع صفر، في حين أن الجناة سيكونون أكثر سعادةً وراحةً.

الانتباهة

ليصلك كل جديد انضم لقروب الواتس آب

Leave a Response

12 − 2 =