إن قضية تعيين الولاة والمجلس التشريعي قضية حسمتها الوثيقة الدستورية التي تم توقيعها من قبل المجلس العسكري كطرف أول وقوى إعلان الحرية والتغيير كطرف ثاني وهي مفهومة في سياق إستكمال مؤسسات الحكم إذ إن مبدا فصل السلطات مهم في بناء الدولة السودانية وأحد أهم تعريفات المدنية أنها دولة المؤسسات الأمر الذي يقتضي أن يكون هنالك جانبا تشريعيا وجانبا قضائيا وجانبا رقابيا وأيضا من الأمور التي حسمتها الوثيقة الدستورية أن ملف الحرب والسلام ملفا سياديا يطلع به مجلس السيادة بتكوينه المعلوم وهو مفوض في التوقيع على الإتفاقيات التي تحقق السلام وإبداء أية تفاهمات تمهد لعملية السلام التي تعتبر تحديا كبيرا للفترة الإنتقالية .
رغم الوضوح في حسم الوثيقة الحاكمة للفترة الإنتقالية في حسم المسائل السابقة إلا أن ثمة تعقيدات تكتنف المشهد السياسي الذي يبدو الآن و الذي يقرأه الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي الدكتور الرشيد محمد إبراهيم من منطلق أن الذي يؤسس له هو إتفاق إعلان المبادئ الموقع في جوبا برعاية إقليمية وبموافقة أطراف العملية السياسية في السودان والقاضي بأن يتم إرجاء عملية تعيين الولاة وتشكيل المجلس التشريعي الى مابعد الوصول الى سلام وهي قضية ملزمة للطرفين وأيا ما نكوص أو محاولة للإلتفاف تستوجب طرح القضايا للنقاش وأن يتم التعديل او التوافق فيها لكن كمايقول الدكتورالرشيد فإن أي مناداة طرف دون الاخر كما هو واضح الآن في الجانب الحكومي حتما ستدخل البلاد في دائرة قد تضيع الإستقرار في الفترة الإنتقالية وبالتالي فإن الآثار الخارجية المترتبة على هذا القرار ايضا كارثية ومضرة بالإستقرار السياسي وبمجمل العملية السياسية في السودان .
قضية السلام يفترض أن تكون عملية إستراتيجية كما يذهب الى ذلك جل المراقبين لكن يبدو جليا أن إستقطابا كبيرا يمارس فيها وفي ظل هذه الدائرة من الضغط والإستقطاب تبرز أهمية طرح سؤال كبير ومهم جدا بأنه هل توجد الآن إرادة سياسية منعقدة لتجاوالمرحلة ؟
يجيب الخبير الإستراتيجي الدكتور الرشيد بأن هنالك تباينا واضحا في رؤية قوى إعلان الحرية
والتغيير للسلام والشاهد كما يقول أن الحركات المسلحة كانت جزءا من إعلان الحرية والتغيير وقد إنفض هذا الإئتلاف باستبعاد ورقة السلام في أديس أببا وبالتالي اصبحت هنالك شكوكا كثيفة حول إنعقاد الإرادة السياسية لطي ملف الحرب والتوصل الى تصالحات مع الحركات المسلحة
ويدعم الرشيد اتجاهه هذا في التحليل بأن كل فصيل في قوى الحرية والتغيير يعمل بمفرده وفق رؤيته لملف السلام ويستدل على قوله بأن الحكومة حكومة ثورة وحكومة الحرية والتغيير فكيف يفهم ان تتم تعبئة من داخل قوى الحرية والتغيير للمطالبة بتعيين الولاة وبتكوين المجلس التشريعي الأمرالذي يرى فيه دكتور الرشيد وجود دوائرأصيلة نافذة في قوى الحرية والتغيير ويتفق معه في هذا الرأي المحلل السياسي الأستاذ محي الدين محمد محي الدين الذي يشيرالى إن تيار الحزب الشيوعي هو الذي لديه الرغبة في إستعجال تعيين الولاة والمجلس التشريعي وتعطيل عملية التفاوض التي تجري بين الجبهة الثورية والحكومة لجملة أسباب أولها لان التفاوض يقوده نائب رئيس المجلس السيادي الإنتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي وهذا يعزز المكون العسكري ويضيف محي الدين إن التيار الذي يعمل على تعويق عملية التفاوض لديه تخوفات جدية من أن التفاهمات التي ستحصل ستكون نتيجتها تشكيل مجلس تشريعي فيه أغلبية كبيرة متماهية مع المكون العسكري بمجلس السيادة لذلك فإنهم يريدون أن يستبقوا بتعيين الولاة وبتشكيل المجلس التشريعي لأن هنالك أشياء لن تمر إذا تم الإتفاق بين هذه المجموعات فضلا عن أن تعويقها للسلام سيخدم خطها في عدم إعطاء ميزة للعسكريين لانهم هم من حقق السلام والفضل سيرجع الى المكون العسكري في مجلس السيادة وللفريق اول محمد حمدان دقلو رئيس الوفد المفاوض مما يخصم من رصيدهم .
ومما يبدو ايضا للمراقب لعملية الحرب والسلام والمفاوضات الجارية الان ظهور التاثير الخارجي وبروز الاجندة الاجنبية بشكل واضح وفي هذه الزاوية يرى المحلل السياسي الاستاذ محي الدين إن الأجندة الاجنبية واضحة بشكل كبير ويصف مجموعة الحلو بأنها هي المجموعة ذات الشوكة ويشير الى دعمها من بعض الجهات الخارجية ويذهب الى ان هنالك تواصل بين مجموعة الحلو وبعض القوى الإقليمية من بينها دولة الإمارات التي سبق وأن زارها الحلو كما أن مجموعة عقار عقدت إجتماعاتها بالقاهرة وقد يقول قائل بأنه محور واحد لكن الأمر كما يرى محي الدين لا يخلو من تقاطعات مصالح فمصر تدعم استقرارالمكون العسكري في السودان من منطلق العمق الإستراتيجي إذ ترى فيه تحقيق لأمنها القومي وفي ذات المنحى فإن الخبير الإستراتيجي الدكتور الرشيد محمد إبراهيم لا يستبعد المؤثر الخارجي في المفاوضات السودانية ويرى أن هنالك دوائر وجهات لا يهمها استقرار العملية السياسية في السودان أو هي التي تحدد متى يتم إختراق كبير في السودان.
يتفق الخبيران الدكتور الرشيد والأستاذ محي الدين مع الكثير من المراقبين في ان هنالك جهات داخلية هي ضد إرادة السلام قد لا تبدي ذلك لكن يظهر في سلوكها الذي يدل على ان الحركات المسلحة غير مرغوب فيها في الفترة الإنتقالية لأن وجودها قد يعيد ترتيب الأدوار وتصنيف مكانة الأحزاب في التاثير السياسي بالداخل وربما تتراجع بعض الاحزاب ولذلك فهي ليست حريصة على أن توقع الحركات عملية السلام في هذه الفترة
فضلا عن الهواجس الكبيرة جدا من أن عملية الإختراق التي يقودها المجلس السيادي برئاسة نائب رئيس المجلس قد تفضي الى دمج بعض هذه الحركات ربما رغبة أو عبر آلية الدمج والتسريح في ان تتبع لقوات الدعم السريع وهذا يثير حفيظة البعض لانه يتهيب من أن تكون هنالك ادوار سياسية مستقبلية لقوات الدعم السريع في إدارة العملية السياسية وان ايا ما كسب سيضخم قوات الدعم السريع ويجعل منها قوة ضاربة لايمكن تجاوزها في العملية السياسية .
إن ملف السلام يجب التعامل معه على أنه ملف إستراتيجي وملف دولة وليس ملف حزب وينبغي ان يعزل من أية تاثيرات خارجية أو أجندة حزبية لانه إن لم يتحقق السلام في السودان لن يكون هنالك أمن ولا سلاما إجتماعيا ولا إستقرارا وقطعا سيدخل السودان في دوامة الأزمات الإقتصادية وهو امر كفيل بتقويض أي حكومة يتم إختيارها في الفترة القادمة وتبقى الآمال معلقة على الجولة القادمة بان تكون كما جاء في العديد من التصريحات من جهات مختلفة بأنها ستكون حاسمة ونهائية على راسها تصريح عضو مجلس السيادة الإنتقالي الناطق باسم الوفد الحكومي المفاوض وربما يدعمها ماتناقلته الاوساط عن إجتماع يضم قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية بهدف مناقشة القضايا الخلافية بجانب التصريحات القوية الواضحة والقاطعة للجبهة الثورية بانها ملتزمة بالوصول الى إتفاق سلام شامل
319