المجرة – عبدالقادر حيدر لم تعد معاناة المواطن مقصورة علي عدم توفر المواصلات و ما يستتبعها من تبعات تتعلق بالعنت الكبير في أداء اي شي علي الأطلاق، والهدر الضخم في الوقت والجهد وانما استتبع ذلك معاناة من نوع آخر! الاستغلال المهول الذي يتعرض له من “سواقي ” المركبات العاملة في مجال “المواصلات.” عدم توفر المواصلات صاحبته ظواهر أخري ليس اقلها استغلال المواطن، ويبقي سلوك سائق العربة الذي يستمتع بتعذيب الركاب الساعين للذهاب الي عملهم او العودة الي منازلهم اذا كان ذلك عن طريق جعلهم يطاردونه لمسافات طويلة ومن ثم يعلن عبارته الشهيرة” ما راجع” او عن طريق التعامل المتعالي و المتعنجه و احيانا ” الكواريك و النهير.”او حتي رفض الاجابة علي سؤال ” راجع؟ أو ماشي وين؟”. يأتي نوع آخر من الاستغلال ويبدأ الأمر عادة في أوقات الذرة حيث لا ناقلة ترضي بترحيل المواطن المغلوب علي أمره مع بعض الحافلات المتناثرة علي جانبي الطريق بحجج مختلفة قليلا ثم يتحرك احد السائقين ليهمس ” للكموسنجي ” همسة صغيرة ليبد أ الاخير معلنا تحرك العربة بضعف قيمة المشوار فمثلا يتحول سعر المشوار من سوق امدرمان الي الاستاد أو موقف جاكسون الي “20” جنيه بدلا عن “10” جنيه، وقس علي ذلك اسعار المشاوير من اللفة الي بحري أو الاستاد ، ومن الحاج يوسف الي العربي . ليس هذا فحسب ، يتطور الاستغلال بصورة اخري تجعل تكلفة المشوار تتضاعف لتصب في جيب أصحاب المركبات ، تلك هي وسيلة تقسيم ” الخط” الي اكثر من محطة رئيسية . يقول خالد “موظف يسكن الحاج يوسف” :” اصبحت المواصلات علاوة علي استهلاكها للوقت والطاقة تبتلع كل دخلنا ، فانا مثلا لكي اصل من الحاج يوسف الي مقر عملي بشارع الجمهورية كنت اركب “حافلة واحدة بخط شارع واحد – العربي وادفع فقط عشرة جنيهات، الآن تم تقسيم الخط من قبل سائقي الحافلات كالآتي.. اركب من محطة “24” حتي شارع واحد ، بعدها اركب من شارع واحد وحتي حلة كوكو ثم اخيرا من حلة كوكو حتي العربي ليصبح المشوار الذي يفترض ان يكون واحدا و بعشرة جنيهات يصبح ثلاث مشاوير تكلف ثلاثون جنيها ؟؟ وهناك تقسيم آخر لنفس الخط من أجل ان يمتص السواق أكبر قدر من المال وهو ان تقسيم الخط الي ثلاثة خطو .. من شارع واحد وحتي محطة “13” ثم من “13” حتي الصينية الوزارة وأخيرا من الصينية الوزارة وحتي استاد الخرطوم. لتتاعف القيمة بنسبة 300%” هذا بالنسبة للحاج يوسف ، يسري هذا النموذج علي كل مناطق الخرطوم و علي سبيل المثال خط جبرة شمال حيث من المفترض ان يكون الخط حتي السوق العربي بتكلفة “10” جنيهات” الا انه علي أرض الواقع تم تقسيمه الي مرحلتين ، جبرة شمال – التفتيش الشجرة ، ثم التفتيش الشحرة – العربي ، لتتضاعف القيمة بنسبة 100%. الامر عينه ينطبق علي خط الكلاكلة بحري و خط اللفة استاد الخرطوم، وفي امدرمان أصبح التاكسي التعاوني يعمل من المهداوي حتي شقلبان و هي مسافة أقل من 6 كيلو ليتم تحصيل كامل التذكرة ، ونوع آخر يفتت فيه الخط تماما وهو ان تشحن العربة من المهداوي حتي شقلبان ، ثم من شقلبان حتي الجامعة الاسلامية ومن الجامعة الاسلامية الي السوق الشعبي او سوق امدرمان لتتضاعف القيمة ايضا بنسبة 300%. اما مساء فحدث ولا حرج ، كل يفرض الثمن الذي يخطر بباله و ” الماعاوز يركب علي كيفه” ولك ان تتخيل يوم عمل ملي بكل منغصات الدنيا والرغبة في بعض الراحة لتواجه بهذا الاستغلال ولا أحد يفكر مجرد تفكير ان يحمي حقوقك . لعل المصيبة الكبري في أمر المواصلات ليس عدم توفر الوقود او سوء الطرق و رداءة تعامل السواقين “ليس كلهم بالقطع ولكن غالبهم” مع المواطن ، المصيبة هي ان تترك الحكومة ظهر المواطن مكشوفا لكل من هب ودب ينهش فيه كما شاء، اولا بتخليها عن قطاع حساس وحيوي يوثر حتي علي الناتج القومي كالمواصلات وتركه للقطاع الخاص الذي لا يهمه سوي تعظيم الارباح تحت اي مسمي، وثانيا غياب القانون الذي يشكل مظلة حماية للطرفين و يحفظ حقوقهما و يشكل أداة الرقابة التي تعيد اي تفلتات الي نصابها، اما ثالثا فالتعامل المتراخي “والرمانسي” من قبل مؤسسات الدولة مع ” مصيبة” المواصلات وعدم قدرتها علي الايفاء بالتزامتها من حيث توفير الوقود والطرق الصالحة للاستخدام واتاحة “الاسبيرات” باسعار معقولة او علي الاقل مستقرة شجع علي زيادة استغلال المواطن ووضعه تحت رحمة أصحاب المركبات يفعلون به ما يشاؤون. الامر يحتاج لعزيمة وارادة، لا يمكن ان يجلس المواطن في بيته ولا يمكنه ايضا ان يقبل الاستغلال من قبل “ناس المواصلات” كما لا يمكنه ان يسكت علي تراخي الاجهزة الرسمية المكلفة برفع المعاناة عنه، ربما يأتي الانفجار. لا يحلم المواطن سوي بان يصل الي مقر عمله ليحصل رزقه مرتاحا وان يعود الي منزله موفور الكرامة.