أثار اعلان الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة لمفاوضات جوبا محمد حسن التعايشى بتوصل الحكومة مع حركات الكفاح المسلح بدارفور الي اتفاق لمثول من صدرت بحقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائيه الدولية، تساؤلات وانقسامات في الشارع السوداني ما بين رافض ومؤيد ومتحفظ على هذه الخطوة. وترك تصريح التعايشى الباب مواربا حيث ذكر أن هناك لجنة مختصة ستقوم بصياغة الاتفاق بشكله النهائي مما يزيد من الشكوك بأن تتم محاكمة الرئيس المخلوع داخلياً بقضاة اجانب ام سيكون الأمر مثول أمامها في مقرها بلاهاي، ام سيتم افتتاح مقرها لها فى السودان وبالتالي تتمكن من محاكمة المتورطين في جرائم حرب بعد المثول أمامها. ديباجة معاهدة روما القانون الأساسي الذي تنهض على أكتافه المحكمة تحدد أن :- (المحكمة الجنائية الدولية ليست بديلا للمحاكم الوطنية. بناء على معاهدة روما فإن واجب كل دولة أن تمارس سلطتها الجنائية تجاه المسؤولين عن الجرائم الدولية، المحكمة الجنائية الدولية تستطيع فقط التدخل عندما تعجز أولا ترغب الدولة بصورة أصيلة في التحقيق ومحاكمة الجناة..) اذن شرط تدخل المحكمة الجنائية الدولية ينحصر في ان : (1) تعجز الدولة عن التحقيق و محاكمة الجناة. أو:- (2) لا ترغب الدولة في التحقيق ومحاكمة الجناة. فهل ينطبق على الوضع في السودان أحد هذين الشرطين؟ عجز أو عدم رغبة القضاء الوطني في تحقيق العدالة؟ عندما توافق دولة على ارسال مواطنيها إلى المحكمة الجنائية الدولية فهي تعلن أمام الملأ أن النظام القضائي فيها عاجز أو غير راغب في تحقيق العدالة. بالمقابل أعلن محامي الرئيس السابق محمد الحسن الامين، رفضه تسليم البشير للجنائية باعتبارها محكمة سياسية مسلطة ضد دول العالم الثالث. وتساءل عدد من القانونين السودانيين عن جدوي محاكمة سودانيين أمام محاكم اجنبية ويرون ان ذلك يشكك في نزاهة القضاء السوداني المشهود له بالكفاءة، كما أن مثل هذا القرار يضع الدولة السودانية في خانة الدولة الفاشلة التي لا تستطيع تطبيق القانون واحكامه على مواطنيها وان القضاء في ظل حكومة الثورة يستطيع محاكمة البشير وغيره الأمر الذي يؤكد للجميع تطبيق شعار الثورة في العدالة خاصة وان الحكومة الانتقالية هي التي بيدها امر القضاء . وتساءل الشارع السوداني عن هوية المحكمة الجنائية الدولية وجدواها ولماذا لم تنضم لها دول عظمى ودائمة العضوية في مجلس الأمن مثل امريكا وروسيا والصين وكذلك إسرائيل مما يشكك في أهميتها واغراضها والا لما كانت هذه الدول خارج نادي الجنائية. فيما وصفت صحيفة ذا نيشن الإماراتية الصادرة بالانجليزية قرار تسليم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية بالقرار الخطير وستنجم عنه حالة من عدم الإستقرار في البلاد. ونقلت الصحيفة عن إثنين من المحللين قولهم إن تسليم البشير للجنائية ربما يقود لذات المحكمة مسؤولين بارزين في االسلطة الإنتقالية السودانية الحالية، وربما ينجم عن ذلك تقويض اتفاق تقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين خلال الفترة المقبلة. َودعا مراقبون سياسيون واكاديميون الشعب السوداني الي الاستفادة من نموذج دولة جنوب أفريقيا الذي ارساه نيلسون مانديلا في التعايش السلمي والتسامح بعد تجربة نظام الابارتايد وسياسة الفصل العنصري البغيض ولهذا ينادون برفع هذا الشعار والسعي لتطبيق العدالة بمحاكم وطنية او محاكم هجين بها قضاة اجانب لتجاوز حالة المرارات والدخول الي المستقبل من الباب الواسع كما فعل مانديلا بأن استطاع خلق جيل جديد في جنوب أفريقيا من البيض والأسود في وطن واحد جميل بالوانه وأشكاله وثقافاته.. وفي الاثناء وأمام كل هذا وذاك يتنادي سودانيون من مختلف القوى السياسية وخبراء اكاديميون واستاذة جامعات ونشطاء لاطلاق مبادرة المصالحة الوطنية والتي يقول عمر أبو روف رئيس الحركة الشعبية بالداخل، انها انتظمت قطاعات واسعة وتهدف الي التراضي وتحقيق العدالة وازالة الواقع المرير وانصاف الجميع. بينما يقول استاذ القانون الدستوري بالجامعات السودانية دكتور احمد ابو قرجه، “من الحكمة أن ندرك أن العدالة عندما تتحقق وفق القانون والقضاء السوداني فإنها تبعث برسائل قوية لكل العالم أن السودان دولة قانون، وأن لا أحد فوق المحاسبة والقانون مهما كان منصبه أو نفوذه، وهذه الرسالة مهمة ليست فقط من باب الفخامة الدولية بل لأنها أول خطوات جذب الاستثمار الأجنبي، فالمستثمر قبل أن يضع أمواله في حضن أية دولة في العالم ينظر ويتحرى حيث (القانون هو السيد) وليس (السيد هو القانون).. وكانت مدعية المحكمة الجنائية قد صرحت أن للسودان الحق في محاكمة المتهمين تحت كنف القضاء الوطني ان رغب في ذلك. وبالتالي يبرز سؤال مهم عن كيف يعجز السودانيون عن تحقيق العدالة داخل بلادهم ويبحثون عنها وراء الحدود. أيضا يطرح مراقبون في هذا الخصوص جملة تساؤلات مثل، هل تسليم البشير قرار سياسي ام قانوني. ومن يتخذ قرار تسليمه هل القضاء ام المجلس السيادي ام مجلس الوزراء؟ وهل قرار تسليم البشير يأتي من حكومة انتقالية ام حكومة منتخبة. وماهي الخطوات الإجرائية لتسليمه وهو كان القائد العام للقوات المسلحة إذن هو رمز عسكري ويمثل الجيش وهل يسمح رفقاء السلاح بتسليم القائد العام برتبة مشير وماهي تداعيات التسليم وهل هذا القرار لا يفتح على السودان أبواب الشر كسابقة في تاريخ وطن حر، وهل يامن رفقاء السلاح عدم تكرار ذلك، وهل نحن دولة فاشلة قضائيا وقانونيا وعدليا ليحاكم متهمينا في دول أخرى وهل عجز قضاءنا ونيابتنا عن محاكمة المتهمين لعدم قدرتهم القانونية وقلة تأهيلهم القانوني؟. وتشير تحليلات أخرى، نقلتها صحيفة الشرق الجزائريه إلى أن خطوة تسليم البشير للجنائية الدولية جاءت في هذا التوقيت لتخفيف ضغوط قوى الحرية والتغيير السودانية التي انتقدت لقاء البرهان ونتنياهو وبدء طريق التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب، بالإضافة للحصول على دعم الحركات المسلحة بدارفور، والتي رهنت قبولها بالمفاوضات السلمية مع المجلس السيادي بتسليم البشير والمتورطين معه في الجرائم للمحاكمة الدولية. واشارت الي أنه رغم أن الإعلان عن تسليم البشير للمحكمة الجنائية كان مفاجئا للجميع، بمن فيهم المعنيون بالمحكمة نفسها، خاصة وأن تأكيدات سابقة لحكومة حمدوك، أعلنت عدم تفاعلها مع المطالب المتزايدة لأبناء دارفور بتسليم البشير للمحكمة، فإن الترحيب الدولي بقرار تسليمه غلفه الحذر والتقرب، وهو ما ظهر في التصريحات، عن مختصين دوليين بهذا الملف، حيث اعتبر جينس ديفيد أولين، نائب عميد كلية الحقوق بجامعة كورنيل في تصريحات لـ “أسوشيتد برس” أن البشير هو “الحوت الأبيض الكبير” بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية. وهنا يبدو أن حمدوك هو الذي يراهن على دعم المجتمع الدولي ومساعدته في ضبط الاقتصاد السوداني الذي يشهد تدميرا كبيرا، لذلك فإنه سيدفع بالبشير إلى قبضة الجنائية الدولية. ولهذا فإنه يواصل السعي بأشكال مختلفة من أجل إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهي القائمة التي لا تقف عائقا أمام الوصول إلى صناديق التنمية الأمريكية فقط، وإنما تمنع السودان فعليا من الدخول للمؤسسات المالية الدولية. كما أشارت الي أن حمدوك بحسب مراقبين يشعر بالقلق إذا لم تتحرك الولايات المتحدة وشركاؤها بسرعة لتوفير دعم مالي وتقني ودبلوماسي قوي له، لأنه في هذه الحالة سيدخل في صدام مباشر مع ملايين السودانيين الذين كانوا يتطلعون لمستقبل أكثر ازدهارا… لذلك فربما يكون البشير هو الأضحية التي ستذبح ليكسب الآخرون. فهل ينجح السودانيون في تجاوز حالة الانقسام والتشظي والنظر الي المستقبل بقبول التسامح والتراضي وتصفية النفوس كما فعل مانديلا بتحقيق مجتمع سليم ومتعافي ومصالح مع ذاته حقق لجنوب أفريقيا الريادة وكتب لها المجد.