تصريح الناطق الرسمي لوفد التفاوض الحكومي بجوبا عضو مجلس السيادة الانتقالي الاستاذ محمد حسن التعايشي بالتوافق علي تسليم الرئيس البشير الجنائية ، كان مفاجئا ومربكا حتى للمحكمة الجنائية نفسها وجميع المراقبين والسياسيين حتى اؤلائك الذين ايدو تسليم البشير ! ! وترك اكثر من علامة استفهام !؟ فسرها بعض الخبراء العالمين والمختصين بدراسات الجرائم المتعلقة باختصاصات المحكمة الجنائية بالتصريحات السياسية التي تمت في اطار سير المفاوضات بمنبر جوبا ليس الا ولا تعني النية الحقيقية للحكومة الانتقالية خاصة وانه هناك تصريح سابق للبرهان وقيادات المكون العسكري قطعت بعدم تسليم البشير الي الجنائية بلاهاي ، نتيجة لعدة اسباب متعلقة بتكوين الشعب السوداني ونفسيته الرافضة لذلك . وقد التبس الامر علي الجميع خاصة بعد ان ايدت ذلك التصريح كل حركات دارفور ورحبت به العديد من الاحزاب والقوى السياسية دون ان يصدر المكون العسكري اي حركة تبين موقفه من ذلك . وظل يتفاعل الامر في مختلف دوائر القرار العالمي والمحلي علي مستوى الاقليم والمنطقة حتى صرح رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان لصحيفة الشرق الاوسط في حوارها معه بالقصر الجمهوري بما لم يقطع الشك بامر تسليم البشير بقوله : ( ان مثول المطلوبين من النظام السابق امام المحكمة الجنائية الدولية لايعني تسليمهم ليحاكموا في لاهاي ، وأمر مسألة اخراج شكل المحاكمة ومكانها أمر قابل للمراجعة والتباحث بشأنه بين الاجهزة المعنية للحكومة وشركائها ). وهو كلام له عدة مفاهيم ويذهب في عدة اتجاهات لا تنفي ممانعة المحاكمة ولاتقطع بالتسليم . الا ان السؤال المهم هل في ميثاق روما ما يمنع ذلك ؟ وبحسب الميثاق ان الاولوية للمحاكم الوطنية الا اذا ثبت ضعف النظام القضائي و القانوني للدولة المعنية . الا ان الاهم هو ان ميثاق روما للحنائية يتيح للدولة الوطنية هذه المخارجة القانونية وهي في غالب الامر الثغرة التي بنى عليها رئيس مجلس السيادة الانتقالي تصريحه واكدها الناطق الرسمي للقوات المسلحة السودانية العميد الركن عامر محمد الحسن في منبر ( سونا ) بقوله : ( بأن مسألة تسليم البشير للمحكمة الجنائية هي ليس تسليما وإنما مثول فقط مبينا أن هذه القضية هي قضية سياسية بحتة يجري النقاش حولها ) . ويبدو ان هذا التفسير هو ماتوافقت عليه اجهزة حكم الفترة الانتقالية نتيجة لما ذهب اليه ايضا الناطق الرسمي لمجلس الوزراء الانتقالي وزير الثقافة والاعلام الاستاذ فيصل محمد صالح في تصريحه الصحفي وبيانه الذي شرح فيه اختلاف مفهوم المثول والتسليم . وتبقي قضية المحكمة الجنائية الدولية احد اهم القضايا السياسية والقانونية في المشهد السياسي بتقاطعاتها المختلفة مع مفهوم العدالة الانتقالية وسير المفاوضات في مسار دارفور ومراعاة الشعور الوطني العام بعدم انتقاص هيبة القضاء السوداني وتحقيق مطلوبات الثورة وشعار العدالة الذي يمثل احد اهم اضلاع مثلث شعار الثورة الشهير حرية سلام وعدالة . وتبقي الايام حبلى لتسفر عن المفهوم الواقعي وفض اشتباك معاني الفاظ المثول والتسليم في لغة المشهد السياسي السوداني