بعد مقالي (نظرة العودة وحنين الذكريات) تفضّل علي واتّصل بي الأستاذ الأصيل والمربي النّبيل المستشار عبّاس محمد فضل المولى محمد – حفظه الله- وهو من الجيل الذهبيّ الذي عاصر أجيالاً تُعظِّم الكلمة وتُحفِّز عليها؛ ولا أخفيكم فقد دار بيني وبينه حديثاً ماتعاً عن
حال السُّودان ومايدور في السّاحة من أحداث رغم أنّ التّربية والمحافظة على النّشء والشباب من دهاليز الضياع والخسران كان له النّصيب الوافر في حديثنا
فكان مما قال أنّ بعد حلول غروب الشمس كان لايسمح لأبنائه بالبقاء خارج المنزل مهما كانت الأسباب إلا في حالات نادرة بعلمه وإشرافه .
والحقيقة قد يبدو هذا الكلام نظرياً ولا يُعجب جيل اليوم وربما أطلقوا عليه تعسُّفاً لكن من عاش في هذه الدّنيا يعلم أنّ الشّرور تفترس الشباب ليلاً؛ ولا غرو فقد تخرّج على يديه أبناؤه الذين صاروا في أعلى درجات المسؤولية والمهن المرموقة حفظهم الله وبارك فيهم..
ثم تطرّق الكلام عن الأجيال السّابقة وكيف أنّهم تحلّوا بالمهنية وأنّه مهما ضاقت الدّنيا فلن يسرق الموظف أو يرتشي -لا سمح الله-
وذلك لأنّه يملك أسرة قنوعة لا تتطلّع إلى ما لايملك ربها وقائدها..
أما هذا الجيل إلا من رحم الله فقد تربّى على ( الشوفوني) حتى بعض ؛الرجال: جبنا العفش من وين والدهب من وين والسيارة من وين وهكذا في أسلوب لايشبه الرجال بل كان هذا علامة من علامات النّساء وميزة من ميزاتهنّ..
وذكر لي أنّ الطّبيب قديماً إذا لمح أنّ المريض فقير يدخل معه في حوار ليعرف بعض التّفاصيل وبعد تأكده من قلة ذات يد المريض يأمر من معه بإرجاع المبلغ للمريض ليس هذا فحسب بل يعطيه الدواء دون أخذ مقابل!
فقلت:
ألا ليت أيام الصّفاءِ تجُودُ
ودهرٌ تولى بالسُّودان يعودُ
ستبقى الأجيال ما قدَّمت الكبار وتبقى الأخلاق ما بقي الوفاء، وتبّاً لذلك الشّعار الذي أصبح على لسان الشباب وهي قولهم :
(ماعندي حاجة لزول!).
لو انقطع جيل الأطباء عن القدامى لفقد المهنية،وقل مثل ذلك في جميع المجالات؛ فلا استغناء عن الكبار فبهم دارت عجلات الزمان؛ فاتَّزرُوا ثوب الحكمة وعالجُوا سُبل الفضيلة والماعندو كبير يفتش ليهو عن كبير..
والحمد لله أولاً وآخرا
✍️د.الزّبير الطيّب محمّد
٦ربيع الآخر ١٤٤٦هــ