بيت الشورة
عمر الكردفاني
ممنوع الاقتراب وال(تسريب)
غداة المغامرة الفاشلة التي قامت بها دولة جنوب السودان باحتلال هجليج برزت بعض الأصوات النشاز تطعن في القوات المسلحة وتحرض على الرضوخ لدولة جنوب السودان حتى أن البعض قال بصريح العبارة أن هجليج ليست منطقة استراتيجية حتى يحرص الجيش السوداني على استردادها (اي والله ) ، وقتها كان سعادة الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين (شفاه الله وعافاه) وزيرا للدفاع فقام بتقديم الدعوة إلى عدد كبير من الصحافيين للاجتماع بمباني التصنيع الحربي ، وقبل أن يبدأ حديثه قال بالحرف :هذا تنوير خاص بكم وليس للنشر فلا اريد رؤية قلم أو ورقة أو كاميرا أو مسجل ، للحق تحدث الرجل عن وزارته حديث العارف وحصر لنا مقدراتها اللوجستية والبشرية والاقتصادية بالارقام ولم يترك شاردة أو واردة الا وذكرها وتقبل اسئلة الحضور بصدر رحب حتى أننا سألناه عن الابراج العالية بالوزارة والموقع الجغرافي لها والأحداث التي مرت والمتوقع منها ، أجاب الرجل بكل رحابة صدر وقد أطلق سراحنا قبيل منتصف الليل قائلا :طبعا بعد دا حكوماتكم حتبدأ الاتصال ،وفعلا كان رنين الهواتف قد بدأ ، من الحضور تقريبا كان العبيد احمد مروح وعوض جادين وحسين خوجلي وعثمان ميرغني إن لم تخني الذاكرة وغيرهم كثر من أعلام الإعلام السوداني ، هل تصدق عزيزي القارئ أن أول من أفشى سر هذا الاجتماع هو انا والان فقط في هذا العمود ، ولا انني قرأت لأحد من الحضور حتى الآن حرفا مما جرى ذلك اليوم حتى اللحظة .
أقول ذلك وقد صارت المعلومات العسكرية تبذل للأعداء قبل الاصدقاء ،فقبل أيام قرأت أخبارا متتالية على عدد من المنصات المحترمة وهي تتحدث وتفند عدد السيارات القتالية التي استوردها الجيش وتعدد مزاياها القتالية ومواصفاتها كأنما ذلك الشرح موجه للعدو حتى يستطيع استجلاب المضادات الخاصة بهذه المركبات ،وعندما سألت بعض الزملاء علمت أن من عدد تلك المواصفات هو سعادة الفريق العطا بنفسه ،(وهنا ساصمت قليلا ) لقد لاحظت مؤخرا أن جميع قادة الجيش بما فيهم سعادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان يصرحون تصريحات غريبة عن سير العمليات وعن امكان وجود اولئك القادة انفسهم وما تم استجلابه من معدات بصورة ظاهرها بالطبع الفخر بالتقدم العسكري وإرهاب العدو لكن في ظني أن ضرر هذه التصريحات أكثر من نفعها والله اعلم ،قادني إلى كل ذلك ما حدث مؤخرا من تسريب او شبهة تسريب لاجتماع خاص بقادة حركات الكفاح المسلح وما جر ذلك من اتهامات متبادلة وصلت إلى حد السباب في مواقع التواصل الاجتماعي وفي ظني أن الأمر منذ بدايته أخطاء متراكمة تدل على أن هنالك من لا يأبهون بامن هذا الوطن ولا يستطيعون تقييم المعطيات وما يمكن أن تجره من ويلات نحن في غنى عنها اليوم ،وإن كان الأمر بحثا عن شهرة او زيادة قراءات فإن اخبار القونات على قفا من يشيل ولكن هذا العبث بأمن البلاد أمر في غاية السخف يجر معه الكثير من الخطورة على وطن مغلوب على أمره ومواطن طحنته رحى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل وهو ليس بين شقي رحى فقط بل هنالك الكثير من الرحى متراكبة تنتظر دورها في الطحن (قال كيكة سلطة قال ) نحن حتى في السياسة لا نستطيع صياغة خطاب مؤدب كما تفعل المجتمعات المتحضرة المحترمة ذلك لأننا فقدنا احترامنا لذواتنا ولبعضنا البعض.
ثم ماذا بعد ؟
إن الدول تبنى بأكثر من يد وعلى امتداد أكثر من جيل لان اعمار الدول وتعاقب اجيالها لا تقاس بما يقاس به عمر الذرة الشامية التي يمكن زراعتها وحصادها واكلها في أقل من شهر ونصف ولكن بناء دولة يحتاج إلى أكثر من عشرة أجيال وليس جيلا ونصف ،وبالارادة الحقيقية يمكن أن نصل إلى مرحلة الكفاف في أقل من جيل ولكن الرفاهية تحتاج إلى أكثر من ذلك والا ظللنا في ذات المربع المظلم عشرة بالمئة يعيشون الرفاهية والبقية يعيشون تحت مستوى الفقر او دون ذلك والله اعلم