عبد القادر حيدر، المجرة.
راجت في الايام الأخيرة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي دعوة للخروج في موكب مليوني يوم 21 اكتوبر والذهاب للقيادة العامة للقوات المسلحة للاحتفال بذكري ثورة أُكتوبر المجيدة في ذكراها الخامسة والخمسين. الأحتفال بالأيام الوطنية وذكري الأنتصارات أمر مقبول ومعتاد، أدوات الأحتفال كُثر ومشروعة تماماً، المستغرب هو الدعوة للخروج في موكب احتفالي اذ أنّه وجدانيا ارتبط بأهداف أخري (اي الخروج في مواكب) غالبيتها أهداف مطلبية للضغط علي جهة ما لتنفيذ شيء ما . المعتاد والأكثر فائدة هو اقامة الندوات كأداة احتفالية يمكنها ان تحقق الفائدة من احياء الذكري المعنية؛ يمكن فيها سرد التاريخ – وما أحوجنا لسرده واعادة النظر فيه لتنقيته من الشوائب والتزييف الذي طاله واتخاذ العبر منه – وازكاء الروح الوطنية والتبصرة بالراهن السياسي واثارة النقاش الذي يثري أي قضية مهما كانت. المستغرب أكثر هو الوجهة التي يقصدها الموكب، القيادة العامة للقوات المسلحة، للذهاب الي القيادة العامة رمزيته التي لا علاقة لها بالأحتفال مما يجعلنا نشكك في دوافع من دعا لمثل هذا الموكب او علي الأقل ان أحسنَّا الظن جدا به فسنشكك في معرفته و وعيه وقدرته علي الحكم الصحيح وقراءة الواقع. التوجه نحو القيادة العامة في السادس من أبريل كان لحث القوات المسلحة للقيام بواجبها في الدفاع عن المواطن و حقه في اختيار حاكمه بعد ان سدَّ النظام البائد اي وجهة اخري مصرا علي حكمنا رغم انوفنا . ذاك كل مافي الأمر. أمَّا الآن ؛ فان أي موكب يتوجه للقيادة العامة سيحمل دلالة أخري لا علاقة لها بالأحتفال هذا ان كان الاحتفال هو المقصد الحقيقي!؟ أمَّا إنْ كان الموكب مطلبيا ذو أهداف محددة فان مثل هذه الدعوة تدل علي جهل مريع أو مكر خطير. القيادة العامة هي مركز ادارة القوات المسلحة المكلفة بمهام محددة لا تخرج من اطارها أبداً وهيَّ ليست الجهة المنوط بها تحقيق المطالب في ظل حكومة قائمة متفقٌ عليها وجهات عدلية ودستورية ومحاكم منعقدة أبوابها مفتوحة للكل . أي مطالب أو رؤي يعتقد أياً كان في قدرته علي فرضها علي الأدارة التنفيذية للبلاد هناك جهة مدنية يمكنه التوجه اليها بما في ذلك مجلس السيادة؛ فليذهب الي الجهة الصحيحة والتقدم بجميع مطالبه بالصورة التي تكفل حقه في مطالبة القائمين علي أمر المواطن بالقيام بما يريد في الاطار القانوني والشرعي، تلك هي المسئولية التي تفرضها الحرية والديمقراطية.
من ناحية اخري؛ ان كان الأمر هو احياء ذكري الأعتصام فان ميعاده لم يحن بعد! وان كان احياء ذكري ثورة أكتوبر؛ فليس للقيادة العامة للقوات المسلحة أي علاقة بها ! الأولي أن يقام الأحتفال بساحة الشهداء بالخرطوم فهي ذات الدلالة والرمزية في هذه المناسبة و فرصة لاحيائها من جديد بدلا من تظل ساحة خواء لا تساهم الا بالقليل في مسيرة الاصلاح والثوار والثورة أولي بها .
دعوة مريبة ممهورة بتواقيع عدة تجعل مصدرها اكثر ريبة . دعوة لو تمت الاستجابة لها و لمقصدها الأخير ستكون لها مآلاتها الخطيرة علي الوضع . مآلات ستؤدي ربما حتي لانهيار الحكومة القائمة حاليا الأمر الذي يتماشي مع مصالح الكثير من الانتهازيين و التنظيمات التي تعلم تمام العلم أن نهايتها مرهون بنجاح الفترة الأنتقالية والذي بحدوثه لن تقوم لهم قائمة مرة اخري ولن يجدوا موطئ قدم في الحياة السياسية السودانية؛ لذا يجدّون في الدعوة لانتخابات مبكرة قبل ان يتمكن الوَّعي من الجماهير و تسود روح الحرية التي لن تقبل بكل تأكيد بالولاء لغير الوطن. كل ما نظرنا لهذه الدعوة في محاولة لتنزيهها من الشبهات و أيجاد أمر ايجابي يدفعنا لدعمها كلما أكتشفنا مدي ضررها و خدمتها لأعداء الثورة والدولة المدنية التي بالقطع ستقطع الطريق علي كل صاحب مصلحة تعلو فوق مصالح الوطن والمواطن . الأحتفال أمر ايجابي خصوصا عندما يتعلق بمناسبات التوحد الكبري الا انه في الغالب يتم رفعه كلافتة – كعادة الساسة والسياسيين – لتحقيق مقاصد بعيدة كل البعد عن مضامينه لذا فان قمة الوعي هي تفويت الفرصة علي المتربصين والمتكالبين علي الكرسي و لكي يعلم كل صاحب مطمع ؛ فرداً كان أو تنظيماً أن الشعب هو الحاكم و ارادته لا يعلو عليها .