الخرطوم – مجرة برس
لم تُغير الثورة من البنية الثقافية للإنسان السوداني، من خلال النقاشات التي درات في المواصلات والبيوت والمكاتب ومنصات التواصل الاجتماعي، لمفاهيم ظلت مشوشة في الذهن من قبيل الحرية والعدالة والسلمية والحكم المدني؛ بفعل إعلام النظام البائد، الذي كان عبارة عن “هتافية” بكل ما تحمل من معنى، بل عملت على تغيير الجدران أيضًا، فأينما وليت وجهت داخل مناطق الخرطوم والمدن الأخرى ترى لوحات المبدعين وهي تُعبر بصمت عن عظمة الثورة.
“عظمة الفكرة”..
وقد بدأت الرسومات تظهر على الجدران، فور انطلاق الثورة في ديسمبر الفائت، لكن الوعي بها بدأ بشكل جلي في اليوم الثاني لاعتصام القيادة العامة، حين رسم مُبدع بوترية للنقيب حامد، بعد أن تصدى وبضع جنود لمرتزقة النظام البائد حين حاولوا فضه. ومن لحظتها، تنافس المبدعين في تلوين جدران العاصمة والمدن الأخرى.
“اللوحات الجدارية التي تحث الناظر إليها بضرورة القيام وأخذ حقه من الحياة”، هذا ما تعتقده هديل عوض، فهي أيضًا تُهذب نفس مطالعها عبر تأمل جمالها. وعلى الرغم من تحسرها على أن تري الجدران بشكلها الحالي، بعد أن تقدم بها العمر، فقد قالت أن حدث ورأتها وهي صغيرة لتبدل فهمهما الحالي لكل الأمور، مبدية فرحها على الحظ الحُسن لأطفال هذا الزمن، إذ تتشكل بنيتهم الثقافية على واقع مغاير يتحدث عن الحرية والخير والجمال.
“محاولة الطمس”..
وتعود عوض خلال حديثها لـ “مجرة برس”، إلى مراحل دراستها وتتذكر الشعارات التي كانت تُلقن لهم، وهي، بحد تعبيرها، تُفرخ إرهابيين. وتقارن بين ما يردده الآن تلاميذ المدارس لشعارات الثورة التي تدعو للحياة، للحياة فقط.
وارتأى أحمد سالم، 23 سنة، إن الرسومات التي رسُمت على الجدران، بعد الثورة، يمكن اعتبارها مدرسة فلسفية متكاملة إذا أحسنا فهمها. وقال لـ “مجرة نبرس”، إن قوات المجلس العسكري، بعد أن ارتكبت مجزرة فض الاعتصام، أول ما قامت بفعله، مسح الرسومات على جدران المباني المحيطة بالقيادة العامة، لتكسر عزيمة الثوار. ولكن الثوار، والقول له، لن تُضعف عزيمتهم، فهم لا يزالون يلونون حوائط المدارس والمستشفيات بألف ولون.