تركيا، التي تقع في ملتقى حيوي في الشرق الأوسط ذو الأهمية الجيوستراتيجية، تعرضت خلال تأريخها الحديث لاستهدف منظمات إرهابية مختلفة. من بين كل الجماعات المعادية، يعد حزب العمال الكردستاني، أو البي كي كي، أكثر الجماعات الإرهابية وحشية على الإطلاق.
حزب العمال الكردستاني، الذي يصنف منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ارتكب العديد من الهجمات الإرهابية غير الإنسانية التي أزهقت أرواح أكثر من 40 ألف مدني وعسكري من قوات الأمن وذلك لما يربو على ثلاثين عامًا.
بعد بداية الحرب الأهلية السورية، استولى حزب بي كي كي وفروعه في سوريا، بي ي دي و ي بي ج، على أجزاء من الأراضي السورية المتاخمة للحدود التركية الجنوبية بحكم الواقع لإنشاء ممر إرهابي يعرض الأمن القومي لتركيا للخطر. في هذا الإطار، أجبرت البي كي كي/ بي ي جي/ ي بي جي بشكل لا إنساني المجتمعات المحلية، مثل العرب والمسيحيين والتركمان واليزيديين والأراميين والآشوريين والأكراد، على التخلي عن أراضيهم وتغيير التركيبة السكانية في المنطقة. هذه التسوية العدوانية لعناصر حزب البي كي كي/ بي ي دي/ ي بي جي في شمال شرق سوريا هددت بوضوح الخصائص الديموغرافية والسلامة الإقليمية والوحدة السياسية في سوريا والأمن القومي لتركيا.
لذلك اضطرت تركيا، بطريقة ما، إلى شن عملية نبع السلام الحالية للحفاظ على الطبيعة الديموغرافية للمنطقة، والقضاء على تهديد أمني وجودي تشكله المنظمات الإرهابية وهي البي كي كي/ بي ي دي/ ي بي جي على طول حدودها مع سوريا وإنشاء منطقة آمنة وفي الوقت ذاته إعادة توطين اللاجئين السوريين.
تميل وسائل الإعلام الغربية إلى وصف العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا بأنها “هجوم أو حرب على الأكراد” و “إضعاف القتال ضد فلول داعش”.
أولاً ، يجب أن نتذكر أن مفهوم “الحرب” يشير إلى مواجهة عسكرية بين “كيانات ذات سيادة”. ومع ذلك ، فإن تركيا تقوم بعملياتها ضد المنظمات الإرهابية. لهذا السبب وحده، لا يمكن توصيف هذه العملية بأنها “حرب”. من ناحية أخرى، لا تهدف هذه العملية إلى غزو الأراضي السورية وإنما لتحرير السوريين الذين يعيشون تحت طغيان المنظمات الإرهابية وإنشاء منطقة آمنة للسوريين النازحين في تركيا كما اقترحنا عدة مرات من قبل، بما في ذلك الإقتراح الذي قدمناه في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
يتعاون الجيش الوطني السوري، الذي يضم أعضاء من العرب السوريين والتركمان والأكراد، مع القوات المسلحة التركية في عملية السلام هذه لإنقاذ وطنهم الأم من تنظيمات بي كي كي/ بي ي دي/ ي بي جي التي تضم أجانب من خارج الإقليم.
النقطة الأخرى، والتي طرحتها وسائل الإعلام الغربية، هي عدم قانونية العملية. تجري العملية على أساس المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب مثل المواد 1373 و 1624 و 2170 و 2178 و 2249 و 2254. وفي هذا الصدد، تُجري عملية نبع السلام وفقًا للقانون الدولي والاتفاقات الوطنية والدولية.
تركيا هي الدولة الوحيدة في منظمة حلف شمال الأطلسي التي تخوض معارك ضد مختلف الجماعات الإرهابية مثل داعش بأنزال قوات في ميادين القتال. على الرغم من هذه الحقيقة، يتهم البعض تركيا أو الجيش الوطني السوري بإطلاق سراح “عناصر داعش المحتجزة في مختلف السجون في المناطق الواقعة تحت سيطرة بي كي كي/ بي ي دي/ ي بي جي”. في واقع الأمر سلمت مجموعة بي ي دي/ي بي جي الإرهابية عدداً من عناصر داعش للقوات الأمريكية وأطلقت سراح البعض الآخر منهم حيث وجد الجيش التركي السجون التي كانت تحت سيطرت بي كي كي/ بي ي دي/ي بي جي في تل أبيض فارغة تماماً وذلك في اليوم السادس للعملية.
تستضيف تركيا أكثر من 4 ملايين لاجئ فروا من مذابح النظام السوري. توفر لهم تركيا ملاذا آمنا منذ سنوات وتنفق أكثر من 40 مليار دولار سنويا دون أي مساعدة من شركائها أو حلفائها.
من ناحية أخرى، ونتيجة للأعمال الوحشية، مثل انتهاكات حقوق الإنسان، وتجنيد الأطفال، وتخويف المنشقين والتطهير العرقي، التي ترتكبها المنظمات الإرهابية المذكورة على الشريط الحدودي، لا تزال تركيا مهددة بتدفق أعداد هائلة من المهاجرين القادمين من سوريا. واضعة كل ما سبق في الاعتبار، كان على تركيا شن عملية نبع السلام ليس فقط للحفاظ على سلامتها ولكن أيضًا لحماية ملايين الأشخاص في سوريا.
تغطي عملية نبع السلام الحدود التركية مع سوريا على الجانب الشمالي من نهر الفرات. في هذه المنطقة، هناك مئات القرى الخاضعة لسيطرة منظمات بي كي كي/ بي ي دي/ ي بي جي الإرهابية. تهدف العملية إلى تحرير هذا الشريط الحدودي الذي يصل عمقه إلى ثلاثين كيلومترًا لإنشاء منطقة عازلة بين تركيا وعناصر بي كي كي/ بي ي دي/ي بي جي. من المتوقع أن يعود أكثر من مليون لاجئ سوري، بمن فيهم 300 ألف كردي، إلى وطنهم الخالي من الإرهاب مع إنتهاء العملية.
أبلغت تركيا توقعاتها ومخاوفها لحلفائها خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وذلك قبل بدء العملية.
في الأيام الستة الأولى من العملية، حرر الجيش التركي والجيش الوطني السوري قريتين مهمتين من حزب بي كي كي/ بي ي دي/ي بي جي وهي قرى تل أبيض ورسولاين. كانت هذه القرى قبل بدء العملية مدججة بالأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة للمجموعات الإرهابية المذكورة على الرغم من أنها أحد الحلفاء في حلف شمال الأطلسي.
خلافًا لجهود تركيا في مكافحة الإرهاب ورغبتها الأكيدة في اتباع القانون الدولي، قام متعاطفون مع بي كي كي/بي ي دي/ي بي جي بحملة تضليل مكثفة بدعم من وسائل الإعلام والمسؤولين الغربيين زاعمين أن الجيش التركي والجيش الوطني السوري يرتكبان جرائم حرب ضد الأكراد.
تمارس تركيا أفضل الممارسات فيما يتعلق بتحرير المناطق من الإرهاب وتوفير الأمان للمدنيين. في شمال غرب سوريا، عاد أكثر من 360 ألف سوري من تركيا إلى ديارهم في المناطق التي تم تطهيرها من الإرهابيين بواسطة عمليات درع الفرات وغصن الزيتون. كما كان الحال في عملياتنا السابقة في الأراضي السورية، فإن العناصر الإرهابية فقط ومخابئهم ومساكنهم ومواقعهم وأسلحتهم ومركباتهم ومعداتهم هي التي تتعرض للإستهداف خلال مرحلة تنفيذ العملية.
تُعد حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية من الأولويات القصوى لتركيا للحفاظ على بيئة صالحة للعائدين على عكس ما يسمى بعمليات التحرير الأخرى التي تقوم بها بعض الدول مع بي كي كي/بي ي دي/ي بي جي في الرقة ومدن أخرى في سوريا.
وفي هذا الصدد ، ينبغي للمجتمع الدولي أن يكون على دراية بحملات التضليل التي تخدم أغراض الإرهابيين. يمكن لأشقائنا وشقيقاتنا السودانيين متابعة TRT العالمية ووكالة الأناضول لمعرفة وفهم كيف يستغل الإرهابيون القيم الإنسانية.
كما أكدنا فيما سبق أعلاه ، يجب أن يفهم المجتمع الدولي المواقف الرئيسية لتركيا فيما يتعلق بالعملية. نتوقع من العالم أن يدعم تركيا بدلاً من الركون لدعاية بي كي كي/ بي ي دي/ ي بي جي:
– الإرهاب الناشئ في سوريا يستهدف تركيا إستهدافاً مباشراً.
– تركيا ملتزمة التزاماً راسخاً بمحاربة الإرهاب القادم من سوريا حيث أن لدينا سجل حافل في المساهمة في جهود مكافحة الإرهاب في سوريا.
– ارتكبت منظمات بي ي دي/ ي بي جي العديد من الهجمات الإرهابية الفتاكة في كل من تركيا وسوريا ضد المدنيين. ويجب أن نعرف أن هذه الجماعات تحملت مسؤولية هذه الهجمات دون تردد.
– تم إبلاغ جميع الجهات الدولية (الدول والمنظمات) ذات الصلة قبل بدء العملية بوقت مناسب.
– تركيا عاقدة العزم على مواصلة العملية حتى يتم القضاء على جميع الإرهابيين في المنطقة وتأمين حدودنا وتحرير السوريين المحليين من طغيان بي ي دي/ي بي جي وكذلك تهديد داعش.
ليس لدى تركيا أي خطط على الإطلاق لتغيير التركيبة السكانية في منطقة عملية نبع السلام.
– ستمنح عمليتنا الفرصة لما لا يقل عن مليون سوري مهجر، بمن فيهم الأكراد والعرب والمسيحيون على حد سواء، للعودة إلى أراضي أجدادهم بعد تعرضهم للتطهير العرقي من قبل بي ي دي/ ي بي جي.
– مستقبل إرهابي داعش المحتجزين هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لتركيا. الحل المستدام الوحيد هو إعادة جميع الإرهابين المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم الأصلية و نحن دائما على استعداد للتعاون مع المجتمع الدولي.
– ليس الجيش الوطني السوري وحده ، بل وأيضًا جميع الأقليات العرقية والقبائل المحلية في سوريا ، والتحالف الوطني السوري والحكومة السورية المؤقتة بوصفهم الممثل الشرعي للشعب السوري يدعمون جهود تركيا ضد الجماعات الإرهابية.
كما صرح بذلك وزير خارجية تركيا تشافوشوغلو في مقاله الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز “يريد السوريون العودة إلى ديارهم الآن وقد عانوا بما فيه الكفاية” وسوف تسعى تركيا دائمًا إلى حل سلمي من خلال عمليات السلام والجهود الدبلوماسية.
625