بيت الشورة
عمر الكردفاني
عنكوليب بس!!!
والطرفة تقول ان رجلا يعمل حمالا باحد اسواق مدينة كبيرة وجاءه رجل يطلب منه حمل جوال من مكان الى اخر ,وفجأة هجمت عليهم قوة من الشرطة وبما ان صاحب الجوال الحقيقي كان خفيفا ولا يحمل شيئا فقد اطلق ساقيه للريح وبقي الحمال المسكين لقدره المحتوم اذ كان الجوال مليئا بالحشيش اعزكم الله ,القاضي الذي مثل امامه الحمال عرف من سياق القصة ان الحمال برئ الا انه لم يستطيع ان يطلق سراحه لان القانون يقول ان من وجد المخدر بحوزته هو المجرم ,بعد الكثير من التخفيف حكم القاضي على الرجل بعشر سنوات سجنا,قضى المسكين منها نصف المدة وتم اطلاق سراحه لحسن السير والسلوك ,زملاءه الذين كانوا يتعاطفون معه ورفدوه واسرته ببعض المعينات حفظوا له ايضا موقعه في العمل فعاد الى مكان عمله السابق ولكن اول زبون جاءه طلب منه حمل جوال من مكان الى اخر فصاح الرجل مرعوبا لالالالاً عنكوليب بس ,وذلك كناية عن عدم حمله لاي شئ لا يُرى باطنه من ظاهره
نحن في الاعلام السوداني وبالذات الصحافة اصبحنا مثل ذلك الرجل خاصة كتاب الاعمدة مع ان العمود الصحافي رغم شهرته يعتبر اضعف انواع التحرير الصحفي لانه يفتقر الى المصدر والمعلومة الموثقة بالاضافة الى عدم تقيده بالصياغة الصحفية المعروفة بل يمكن ان تكتب عمودا باللغة الدارجة وسيتقبله القارئ وكاتب العمود اصبح تحت نير اكثر من عشرة انواع من الرقابة واولها الرقابة الذاتية وهي ذات جانب نفسي فبمجرد محاولة اختيارك موضوعا لعمود (عنكوليب) تكون قد طبقت هذه الرقابة حذرا من ان تقع تحت نير بقية الرقابات والتى اولها بالطبع رقابة رئيس التحرير الذي وضعه القانون شريكا لك في الجرم او بالاحرى شريكا في اي جريمة يقع فيها اي فرد من طاقم الصحيفة ,وهكذا تستمر التصفية الى ان يخرج العمود عنكوليبا مسيخا ,الا ان تتحرى الايماءات والايحاءات وان تنتظر من القارئ الحاوي ان يفهم ما تصبو اليه او ترمي اليه ,ولا ابرئ نفسي وزملائي من هذا العنت فقد سمح الكثيرون لانفسهم باطلاق الاتهامات جزافا وسب من يسبون بلا اي اثبات او تحقق وبالتالي اصبحت الصحف اكثر رهقا من ان تتحمل جريرةً كل يوم فتتعطل مصالح وارزاق الكثيرين ممن يرتبط عملهم بهذه المهنة المرهقة
ثم ماذا بعد؟
ان التحديات التى تجابه مهنة الصحافة ليست كلها متعلقة بقضايا النشر بل تعدته الى كينونتها ذاتها كصنعة من منافسة القنوات الفضائية التى اصبحت تنشر مراسليها على كافة القرى والمدن على مستوى العالم بالاضافة الى وسائل التواصل الاجتماعي التى باتت تنافس القنوات ايضا في نشر الاخبار برغم ركاكة الصياغة والجنوح الى الفبركة الرخيصة كونها تجنح اكثر الى الاشاعة منها الى الخبر الاكيد ,عليه بات في حكم المؤكد اضمحلال دور الصحافة في التنوير ما لم تجود صناعتها اكثر عبر التحليل والعمل الاكاديمي الجاد الذي يجد فيه القارئ ضالته