صار أمر إرسال الأمم المتحدة لبعثة أممية سياسية إلى السودان واقعا ملموسا بعد الموافقة على الطلب بالإجماع قبل يومين في جلسة حظيت باهتمام محلي ودولي كبيرين. وتتمثل مهام البعثة في مساعدة الحكومة الانتقالية على توطين ملايين النازحين واللاجئين ونزع السلاح ودفع عملية السلام وإجراء اصلاحات دستورية. (الانتباهة أون لاين) استنطقت عدد من الخبراء والمحللين السياسيين لإلقاء مزيد من الضوء على هذا الحدث التاريخي المهم وخرجنا بالحصيلة التالية.
تقويض الدستور
المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية بجامعة افريقيا العالمية الدكتور مهدي دهب قال: (شهدت الايام الفائتة جدلا واسعا حول الفصل السابع والفصل السادس بارسال بعثة سياسية اممية الي السودان، وهنالك فرق بين الفصلين والأخطر على السودان هو الفصل السابع الذي توجد بموجبه القوات الأممية في دارفور وفقا لهذا البند شكلت قوات اليوناميد بأكثر من (23 ألف) جندي تواجدوا بولايات دارفور). مضيفا ان خطورة الفصل السابع جعل كثيرا من الدول تتحاشاه، حيث تكمن الخطورة انه يمكن ان يقوض الدستور داخل الدولة المعنية والنظام العدلي والقضائي وتقويض قطاع الامن والجيش والشرطة مشيرا الى ان هذا البند عادة يطبق على الدول التي بها انتهاكات ممثلة في جرائم الحرب والابادات الجماعية. هذا يجعل الامم المتحدة لديها صلاحيات واسعة في أنها إذا رأت تفكيك الجيش يمكن ان يفكك. وإن رأوا ان القضاء غير عادل يمكن ان يغير بقضاء اممي مضيفا انه تقويض كامل للدولة ونزع سيادتها مؤكدا ان القوات الاممية كانت تطبق بعض الاجراءات داخل السودان بفتح المسارات لتوصيل الاغاثة للمناطق المتأثرة دون إستشارة الحكومة ولا حتى برضاها وكان هذا انتهاك صارخ للسيادة الوطنية جازما بأن لو طبق الفصل السابع جملة لكان انتقص من سيادة السودان.
إسترداد السيادة
ويستمر مهدي دهب في حديثة لـ (الانتباهة اون لاين) بأن مافعله رئيس مجلس الوزراء يعتبر نقلة كبيرة للسودان عكس ما يروج له الان هي نقلة للاستقلال وإسترداد السيادة الوطنية التي تم إنتهاكها بواسطة النظام السابق بوضع السودان تحت الفصل السابع. ويرى دهب ان فكرة الفصل السادس تقدم الامم المتحدة جميع خبراتها وإستشاراتها مبادراتها لتحقيق السلام وبناءه، عكس الفصل السابع الذي يحث على حفظ السلام بقوات الامم المتحدة. جازما بأن الفصل السادس يحمي البلاد من الانقلابات العسكرية وحل جميع المشاكل التي تواجه تحقيق السلام كما يساعد في إرساء الدمقراطية والتدريب على العمل والمشاركة السياسية واصلاح قطاع الامن والجيش والشرطة حتى تكون اجهزة قومية ومحترفة غير مؤدلجة تتبع لنظام حزبي.
اهمية الفصل السادس
وقال دهب ان الفصل السادس يجعل الامم المتحدة تعمل بعد المشورة مع الحكومة في جميع المساعدات التي تريد ان تقدمها باعطاء الخيارات للحكومة واطراف الصراع في حل المشاكل عكس البند السابع الذي يفرض من خلاله القرارات الاممية هذا إذا ارادت الامم المتحدة تقويض النظام السابق لفعلت وارجعتنا الي خانة الوصاية لكن هذه النقلة تنقلنا من خانة سيادة مسلوبة من الدولة الى إعادة السيادة والثقة الي الدولة.
واضاف دهب ان البند السادس يقفل الباب امام كل من يريد ان يراوغ لإفشال الفترة الانتقالية والمغامرات بدعم الحركات المسلحة ويوصد الباب أمام كل المخططات الاجرامية. ويرى مهدي ان السودان الآن ذاهب في الاتجاه الصحيح بتطبيع علاقات جديدة مع المجتمع الدولي والامم المتحدة للاستفادة من جميع المنظمات الاممية التي ترتبط بالتنمية لذا نجد جميع الدول تسعى وراء الامم المتحدة خاصة عندما تكون لديها إشكاليات مرتبطة بصراع عميق في الدولة له تعقيدات امنية واقتصادية وتنموية.
توجهات جديدة
في ذات الصدد يرى الدكتور الرشيد محمد ابراهيم استاذ العلوم السياسية والمحلل الاستراتيجي ان قضية ارسالة بعثة سياسية الى السودان تأتي على خلفية الحرب والسلام التي لازمت الدولة السودانية منذ الاستقلال لافتا الى ان هنالك تفاوت في قضية الحرب والسلام من الانظمة المتعاقبة على حكم السودان على ما يبدو وهنالك توجهات جديدة في السياسة الخارجية السودانية التي يتقدم على رأسها الدكتور عبدالله حمدوك منوها الى ان الاستراتيجية في العهد السابق قائمة على الانسحاب وتجفيف وجود الامم المتحدة لذلك ادت الى خروج الامم المتحدة بالتدريج والتي ادت الى منتهاها خلال هذا العام لكن توجهات الحكومة الجديدة عملت على الابقاء عليها. لذلك بدأت الارهاصات بعد طلب رئيس الوزراء على ابقاء قوات يوناميد وربط إنسحابها بمسار التفاوض وإحراز التقدم فيه وهذا لاسباب تتعلق بتأمين المدنيين وضمانات على عدم الاعتداءات والمحافظة على الوضع الأمني الذي استقر في الوقت الراهن. موضحا ان البعثة السياسية كان من الممكن النظر لها ايجابيا إذا ما اتت في ظروف عادية وانحصرت في مجال الخدمات الاستشارية والمساعدة الفنية والتنقنية جازما بأن هنالك نماذج لبعثات سلام يمكن القياس عليها وان نثبت ونقارن مدى إيجابية وجود مثل هذه القوات. واشار الى ان اغلب الحكومات ذات النزعة الاستقلالية لاترغب بوجود قوات دولية لكن ربما الحكومات ذات الطابع الديمقراطي هي اقرب للاستعانة بمؤسسات الامم المتحدة لانها تنتهج سياسة الاندماج و التفاوض اكثر من المواجهة. واكد دكتور الرشيد الي ان هنالك نماذج للبعثات الاممية في افريقيا الوسطي والصومال وليبيا وقبلها العراق.
أزمة ثقة
واضاف دكتور الرشيد ان وجود رؤية سودانية وطنية موحدة يجعل هذه البعثة محدودة الصلاخيات. مضيفا ان البعثة اتت في إطار التنافس بين المكونين المدني والعسكري هنالك شكوك من المكونات الاخرى في تنفيذ الوثيقة الدستورية بالتالي جاءت الاستعانة بالبعثة السياسية الاممية لتلافي اي آثار سالبة لعدم الالتزام بالمواثيق الدستورية كما أن البعض ينظر لها بأن هنالك ازمة ثقة بين الجهاز التنفيذي والحاضنة السياسية قوى إعلان الحرية والتغيير بحسبان ان القضايا التي طلب منها ان تدعم فيها البعثة السياسية والسودان ليس لديه مشكلة فيها خاصة وان السودان لديه خبرة في وضع الدساتير وأسهم في وضع دساتير لبلدان كثيرة ولديه خبراء دستوريين كثر وما كان يحتاج لمساعدات فنية لوضع الدستور. كذلك الانتخابات فإن السودان لديه تاريخ في الانتخابات منذ الاستقلال وهو متقدم على دول كثيرة وليس لديه مشكلة في هذا.
تساؤلات
يقول الرشيد ان الرأي العام يتساءل ماهي حقيقة طلب هذه البعثة ذات الطبيعة السياسية الدبلوماسية وماهي الحوجة التي يعجز السودانيين عنها وبالتالي يحتاج الى مساعدة خاصة؟ وخاصة وان الخطاب الذي ارسله دكتور حمدوك قوبل بإستهجان وتم تعديله. مشيرا الى ان هذا اللغط لا يحسب للقضية السودانية بالتالي تبقى فاعلية هذه البعثة الدبلوماسية رهين بالسلوك السياسي بين المكون العسكري والمدني وبين ردود افعال المقاومة والممانعة لمثل هذا الوجود باعتبار أن الوجود الاجنبي دائما تأتي من بعده المشكلات. كما أن هنالك قضايا أخرى بحسبان أن قوات يوناميد دخلت تحت البند السابع وابدالها بالبعثة الدبلوماسية قد يربك ببعض المسائل القانونية بإزدواجية البندين في أحقية كل منهم لان كلاهم دخل على حسب البند السابع والفصل السادس مشيرا الى ان سلوك البعثة والسلوك السياسي يبين مستقبل هذه البعثة ومدى إستفادة السودان منها.
الانتباهة