صالون_الريس
الانهيار السريع.
د/ أشرف الريس
أعزائي القراء الكرام تحيةً واحترام وبسم الله نبدأ الكلام… اشتهرت قديماً في الألعاب الأولمبية لعبة شعبية اسمها ” القفز بالزانة” وفي هذه اللعبة يحمل اللاعب عصى طويلة مطاطية ويجري مسافة معينة ثم يتكأ عليها ويقفذ قفذة تجعله فوق القمة المصممة له ويكون وصوله سريعاً وبالرغم من الوصول السريع للقمة الا ان سقوطه يكون مدوياً وبسرعة أكبر وهذه اللعبة تنطبق على مليشيا الدعم السريع المتمردة فقد راينا إنهياراً مدوياً في كل الجبهات وفي اليوم الواحد تخسر كمية من مدن كانت قد سيطرت عليها في شهور فما سر هذا الانهيار؟ وما تداعياته على مستقبل السودان؟
بالتأكيد أن هنالك أسباب لهذا الانهيار السريع فاستراتيجية الحفر بالابرة التي انتهجها الرئيس البرهان والتي كانت محل سخط من غالبية الشعب السوداني الذي لم يدرك مكنوناتها في ذلك الوقت كان لها الدور الكبير في هذا الانهيار المدوي لمليشيا الانهيار السريع المتمردة وهذه الاستراتيجية التي ستدرس بإذن الله في كل الأكاديميات العسكرية وستسجل في التاريخ العسكري بحروف من نور وهذه الاستراتيجية تنبني على عمود فقري اساسي وهو الاستنزاف الطويل في معارك متعددة فمنذ اندلاع القتال بين مليشيا الانهيار السريع والقوات المسلحة السودانية في الخامس عشر من أبريل للعام 2023، خاضت المليشيا معارك عنيفة على عدة جبهات في الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة وسنار. ومع مرور الوقت، تعرضت لاستنزاف كبير في الأفراد والعتاد، مما أثر على قدرتها على الصمود في المواجهات الطويلة واستخدمت القوات المسلحة السودانية وضع الدفاع ضد هذه الهجمات وبعد أن وصل للقيادة مؤشر الانهيار تحولت القوات المسلحة من وضع الدفاع إلى وضع الهجوم ولم تستطع المليشيا الوقوف في وجه الموج الهادر الذي اقتلعها اقتلاعاً، ومن العوامل التي ساعدت في هذا الأنهار المدوي فقدان المليشيا للحاضنة الشعبية فاعتمادها على أساليب الترهيب في فرض سيطرتها، وممارستها للسبب والنهب والقتل والتهجير القسري للسكان في المناطق التي سيطرت عليها، خاصة في الخرطوم ودارفور، جعلت السكان ينقلبون ضدها. ففقدت هذه المليشيا دعم المجتمعات المحلية، ما أدى إلى تصاعد المقاومة الشعبية ضدها في كل المناطق. كما ان للانشقاقات والصراعات الداخلية دور كبير في زيادة سرعة الانهيار، فقد استطاعت المخابرات العامة بحنكتها وخبرتها من إحداث إختراق كبير عبر كوادرها وتنسيقيات القبائل المساندة للمليشا التي تعاونت مع المخابرات أدى إلى انشقاقات كبيرة وكذلك مع تفاقم الضغوط العسكرية من القوات المسلحة والقوات المساندة لها ، فبدأت تظهر الخلافات الداخلية في صفوف المليشيا حيث انشق عدد من قادتها أو فرّوا، إما إلى خارج السودان أو استسلموا للقوات المسلحة . هذه الانشقاقات أضعفت التنظيم الداخلي للمليشيا وخلقت حالة من الفوضى في قيادتها.
وبالعودة لاستراتيجية الحفر بالابرة فقد اكسبت هذه الاستراتيجية القوات المسلحة القدرة على إعادة التموضع ، برغم التحديات التي واجهتها، وتمكنت من إعادة تنظيم صفوفها وتكثيف عملياتها ضد مليشيا الانهيار السريع، مما أدى إلى استعادة عدة مناطق استراتيجية. كما لعبت القوات المشتركة وقوات درع السودان ولواء البراء بن مالك والمقاومة الشعبية دورًا محوريًا في مواجهة قوات المليشيا.
والمليشيا لم تنهار سريعاً على الأرض فقط بل انهارت حتى على مستوى المجتمع الدولي وفقدت السند الدولي الذي حظيت به طوال فترة الحرب فلم تستطع الدول الداعمة لها من الاستمرار في الدعم مع تزايد التقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها المليشيا آخرها الجريمة النكراء التي ارتكبتها اليوم في سوق صابرين ضد المدنيين العزل والتي راح ضحيتها مئات الشهداء نسأل الله أن يتقبلهم ومئات الجرحى نسأل الله أن يشفيهم ، فأصبحت الدول الداعمة لها مجبورة على أمرين إما تقليص دعمها أو التراجع عن مساندتها، مما جعلها تعاني من عزلة سياسية عسكرية دولية.
ومن المؤكد ان إنهيار المليشيا له تداعيات على المشهد السياسي فبانهيار المليشا، سيعاد تشكيل الخريطة السياسية في السودان، مما قد يفتح المجال لجهود سياسية جديدة لحل أزمات السودان. ومع ذلك، فإن مرحلة ما بعد مليشيا الدعم السريع قد تحمل تحدي كبير وهو التحدي الأمني وجمع السلاح، فإن الازمة الاجتماعية التي خلفتها المليشيا والمتعاونين معها قد تكون مدعاة للفوضى والثأر وأخذ الحقوق باليد، والتحدى الأمني الأكبر هو الخلافات التي قد تنشب بين الشعب والقبائل التي ساندت المليشيا ويحتاج هذا الأمر إلى حملات توعوية كبيرة وبسط هيبة الدولة، وسيادة حكم القانون .
وسيؤدي سقوط المليشيا إلى خلق فرصة جديدة لإطلاق مسار سياسي أكثر استقرارًا، حيث ستنخفض وتيرة الحرب، مما يسمح للقوى الوطنية بالبحث عن حلول سياسية دائمة.
وأقول ختاماً يمثل الانهيار السريع لمليشيا الدعم السريع نقطة تحول كبيرة في المشهد السوداني. فرغم الدعم العسكري الكبير الذي تلقاه من قوى الشر وأسلحتها النوعية وحجم قوتها الكبير ، إلا أن حنكة وخبرة القوات المسلحة ، وفقدان السند الشعبي، والاستنزاف العسكري ساهمت في سقوطها السريع. و المرحلة القادمة ستتطلب من القوى الوطنية السودانية العمل بجدية لضمان ألا يتحول هذا الانهيار إلى مجرد انتقال من حرب إلى أخرى، بل يكون بوابة نحو استقرار وسلام دائم في السودان.
#من_اجل_صناعة_مجد_السودان
تحياتي
د/ أشرف الطاهر حماد
الأمين العام للجهاز الشعبي لنهضة السودان