تحقيق وتصوير عباس عزت
نظم مستمعو إذاعة السلام يوم الخميس الماضي وقفة احتجاجية أمام مباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون بعودة بث الإذاعة التي وصفوها بأنها لعبت ومازالت تلعب دوراً كبيراً في رتق النسيج الإجتماعي وإشاعة ثقافة السلام بين مكونات المجتمع السوداني، مستنكرين توقف بث الإذاعة في هذا التوقيت الحرج لا سيما وأن البلاد على أعتاب عملية سلام شامل، ما يتطلب عودة الإذاعة لمواصلة دورها في نشر ثقافة السلام ..
وكان المدير العام للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون قد أصدر قراراً بتقليص حجم العاملين بالهيئة بنسبة ٥٠% بسبب جائحة كورونا بتاريخ ١٨ أبريل الماضي وإيقاف عمل الإذاعات الفرعية لحين انتهاء فترة الحجر الصحي التي استمرت لأكثر من ثلاثة شهور، ورغم عودة الحياة إلى طبيعتها التدريجية إلا أنه لم يصدر قرار بعودة إذاعة السلام حتى اللحظة ..
الإذاعة صديق الكفيف !
على الرغم من انتشار الوسائل الإعلامية بأشكالها المختلفة ووسائط التواصل الاجتماعي التي اجتذبت قطاعات عريضة من الجماهير، إلا أن الراديو يبقى بالنسبة للكثيرين يشتاقون لسماعه كوسيلة سهلة ومريحة لتلقي الأخبار والبرامج المختلفة في أي وقت واستطاعت الإذاعة أن تكون مصدر معلومات قوية لتعبئة التغيير الاجتماعي ومخاطبة مختلف شرائح المجتمع بمن فيهم المكفوفون الذين يعتبرونها صديق الكفيف الذي يعتمد عليها في تلقي معلوماته ..
وأكد(المكفوف) الشاذلي فتح الرحمن محمد بكري _ أحد محبي إذاعة السلام _ على قدرة إذاعة السلام على الربط بين الناس والمجتمعات وتبادل المعارف والمعلومات وتعزيز التفاهم بين الثقافات، وذكر الشاذلي بأنه قادم من منطقة دردوق شمال بحري لتنفيذ هذه الوقفة الاحتجاجية تضامناً مع أصدقائه أعضاء روابط محبي إذاعة السلام المنتشرة في ربوع السودان والتي تقدر أعدادها بعشرات الآلاف من مستمعي الإذاعة، مطالبين بعودتها بأعجل ما تيسر .. وقال إن المحتجين ارتبطوا بهذه الإذاعة لأنها أتاحت للناس فرصة التحدث بلغاتهم المحلية ولهجاتهم المختلفة، كونها الوحيدة التي تخاطب البسطاء والمهمشين في الأرياف والوديان بلغة بسيطة وتنشر قضاياهم المختلفة وتساهم في نشر ثقافة التعايش السلمي بين المزارعين والرعاة في المناطق النائية، وأضاف قائلاً: نتمنى بعد عودة الإذاعة للعمل زيادة ساعات البث لتكون على مدار اليوم.
“لالوب بلدنا” على الخط !!
وتحدثت المستمعة إقبال جبريل، باسم رابطة محبي إذاعة السلام ” لالوب بلدنا “،قائلة: أناشد المسئولين في عودة بث الإذاعة لأهميتها في رتق النسيج الاجتماعي، خاصة في هذه الأوقات التي يجري فيها التفاوض بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح للوصول إلى سلام شامل وكما هو معروف أن إذاعة السلام هدفها الأول والأخير هو تعزيز وترسيخ ثقافة السلام، خاصة وأنها تخاطب المستمعين في جميع أنحاء السودان بلغاتهم ولهجاتهم المحلية ما يجعل المواطن البسيط في الوديان والأرياف يتفهم رسائل إذاعة السلام .. وفي الختام أناشد الجهات العليا أن تسرع في إعادة هذه الإذاعة المهمة للعمل مرة أخرى.
ظلم كبير !!
وتقول رحاب عمر – مخرج منفذ ونعم برامج ومذيعة بإذاعة السلام : قبل جائحة كورونا كانت الإذاعة تعمل بكفاءة عالية ولا توجد أي موانع أو أسباب تؤدي لتوقفها عن العمل، كنا نعمل بصورة طبيعية منذ تأسيس الإذاعة إلى أن جاءت جائحة الكورونا، وعندها رأى المسئولون أن تعمل الإذاعة القومية بنسبة ٥٠% على أن تتوقف الإذاعات الفرعية عن العمل لحين انتهاء فترة الحجر الصحي ومن ضمنهم إذاعة السلام، ولكننا فوجئنا بعد رفع الحظر وعودة الحياة إلى طبيعتها التدريجية بصدور قرار من السيد المدير العام بوقف البث لأجل غير مسمى بدون ذكر أسباب واضحة، وهذا ظلم كبير نتعرض له في عهد حكومة ديمقراطية تنادي بالحرية والسلام والعدالة، علماً بأن جميع العاملين بهذه الإذاعة من المتعاونين ونعمل بدون استحقاقات أسوة بباقي العاملين بأجهزة الدولة، ونتمنى أن يكون هناك سقف زمني لعودتنا لممارسة العمل .
إذاعة البسطاء والمهمشين !!
ويقول عبد الباري العجيل أحد مؤسسي إذاعة السلام : نشأت إذاعة السلام ٢٠٠٧م باعتبارها راديو مجتمع بموجب اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، وخاطبت هذه الإذاعة منذ نشأتها قضايا البسطاء والمهمشين بلغاتهم المحلية، وكانت تبث على ثلاث موجات ” FM90 لسكان ولاية الخرطوم والموجة المتوسطة بالتردد 963 لمختلف أنحاء السودان، كما تبث على الموجة القصيرة 41m بالتردد 7/2 ميقا هيرتز لجميع أنحاء العالم وهي مسموعة بدول المهجر ومعسكرات اللاجئين والنازحين ..
ويضيف قائلاً: تم تقسيم برمجة الإذاعة لخدمة قضايا الناس في شتى بقاع السودان، حيث تجد الفترة الصباحية برنامج ” صباح دارفور ” لخدمة قضايا دارفور، برنامج ” الحوش الكبير” من الساعة الواحدة ظهراً وحتى السادسة مساءً، لخدمة قضايا مختلفة تعني بشئون الأسرة والطفل بجانب الثقافات المختلفة لأهل السودان وتقدم برامج توعوية أينما حلوا، وغيرها من برامج خدمت الناس وساهمت في ثقافاتهم المختلفة، وهناك الفترة المفتوحة ” برنامج الضرا العريض” تبدأ من السادسة مساءً وحتى التاسعة، وهي فترة للاتصال المباشر من المستمعين يتاح فيها للمتصل التحدث بلغته المحلية وأن يحكي ويعرف عن ثقافة منطقته، وذكر أن هذه الإذاعة استقطبت المزارعين في حواشاتهم والرعاة في السهول والوديان، باختصار هي إذاعة عبرت عن الكم المهمل من المهمشين وابتدعت نشرات الأخبار باللغات المحلية لسكان جبال النوبة وجبال الأنقسنا وتلال البحر الأحمر وولايات دارفور ..
” أنا ياهو أنت وين” !
ومن الخدمات التي قدمتها هذه الإذاعة، العثور على المفقودين عبر برنامج ” أنا ياهو أنت وين ” ، وهذه الفقرة ساهمت في لم شمل العديد من المفقودين بأهلهم وهناك من التقى بأهله بعد أربعين سنة من خلال متابعة هذه الإذاعة .. هذه الإذاعة ساهمت في تشكيل قروبات الواتساب والفيس بوك وملقا زيجات خلال التعارف عبر الإذاعة .. تزوجت فاطمة الدنقلاوية من شمال السودان ومحمد صديق من منطقة الفاو جنوب شرق السودان، تزوج أبو بكر عبد الله موسى من منطقة ” مدو ” شمال مليط بغرب السودان وابتسام أحمد صافي النور من منطقة أبو حجار جنوب سنجة بولاية سنار، وهناك زيجات عديدة تمت عبر هذه الإذاعة..
هذه الإذاعة قدمت برامج خيرية للناس “سلة الصائم وفرحة العيد”، وقامت بزيارات للناس في القرى والفرقان النائية وترتبط بها الناس لدرجة لا يمكن تخيلها لدرجة أن بعض أصدقاء الإذاعة أن قاموا بذبح خروف داخل حوش الإذاعة عندنا توقفت في الماضي القريب لفك العارض !!
فهل يعقل يا مدير عام الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون أن تتوقف إذاعة السلام في هذا التوقيت أياً كانت المبررات والأسباب ؟! خاصة وفي كل يوم تنشب حرب قبلية في جزء من السودان وتفلتات واعتصامات في جزء آخر !! ..
الآن الناس في أمس الحاجة لإذاعة السلام لأنها الوحيدة القادرة على تذويب هذه الخلافات ..
بعد أن استمعت إلى إفادات المحتجين دلفت إلى مبنى الإذاعة باحثاً عن لقمان أحمد أو من ينوب عنه للإجابة على تساؤلات المحتجين، لكن لم أجد أحد حسب إفادة موظف الاستقبال.