
ضجت الاسافير وكل الاوساط السياسية والاعلامية بحالة الإرباك التي سادت وزارة الخارجية امس الاول، وعبر كثيرون عن امتعاضهم واستيائهم من اضطراب التصريحات التي ادلى بها المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية حيدر بدوي لقناة «اسكاي نيوز» وبعض القنوات العالمية الاخرى حول تطبيع علاقة السودان مع اسرائيل، ورد الفعل الذي صدر من وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين مساء ذات اليوم عبر بيان ممهور باسمه نفى فيه ما ادلى به المتحدث الرسمي عن سعي السودان لاقامة علاقات، واكد ان امر العلاقات مع اسرائيل لم تتم مناقشته في الخارجية باي شكل كان بل ذهب اكثر من ذلك واكد عدم تكليف السفير حيدر بالادلاء باي تصريحات في هذا الشأن .
رأي شخصي
ولكن لم يقف الامر عند هذا الحد بل اصدر ذات المتحدث الرسمي تصريحاً اخر عقب بيان الوزير اكد فيه ان ما ادلى به يعبر عن رأيه الشخصي اي كمواطن سوداني حر مكنته ثورة شعب حر بان يصدح برأيه، لا كسفير مسؤول في الخارجية اعادته الثورة الى موقعه ليسهم في البناء الوطني .
استنتاج متحدث
وبرر بدوي اسباب تصريحاته الى شعوره بان الخارجية مغيبة ومتروكة في الظلام فيما يتعلق بهذا الملف ، واضاف «كل تصريحاتي لم تجاف الدقة المطلوبة»، وقال ظلت وسائل الاعلام تطلب مني تصريحات بخصوص ما صرح به وزير الاستخبارات الاسرائيلي ، وظلت الحكومة صامتة، وزاد «لم اقل اكثر من كون الرئيس البرهان وضع السودان في المسار الصحيح بلقائه رئيس الوزراء الاسرائيلي وعدم خروج اي مسؤول سوداني لنفي ما صرح به رئيس المخابرات الاسرائيلي جعلني استنتج ان خط التطبيع هو الذي تسلكه الدولة وعلى ذلك بنيت تصريحاتي التي نفتها الوزارة في تصريحها المقتضب.
هشاشة مؤسسية
وقوبل هذا الارتباك بردود فعل قوية وتوجيه انتقادات لما يدور داخل الوزارة السيادية، ووصف ما حدث بانه هشاشة مؤسسية لحالة التجريف التي طالت الخارجية في الفترة الماضية واسناد مهام كبيره لافراد ليس لهم خبرات في هذا المجال .
انعدام الأمن الوظيفي
وقال مراقبون ذوو صلة بالعمل الدبلوماسي استنطقتهم (الانتباهة) ان الازمة تعود منذ تولي وزيرة الخارجية السابقة اسماء محمد عبدالله مهامها لضعفها في الاداء المهني وادارة المؤسسة ولم تفعل شيئاً الا انها قامت بعملية تجريف كبيرة على مستوى السياسات والكادر ولم تكن لديها بصمة، اضافة الى ان طاقم الخارجية التي كان يتكون من الوكيل والمديرين العامين كان فيه ازمة واضحة، واشاروا الى ان هناك خوفاًولا يستطيع احد ان يتحدث عن ان هناك اخطاءً يجب ان تصحح او وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
واوضحوا انه نسبة لحالة الخوف وانعدام الامن الوظيفي المتواجد داخل الوزارة المتحدث الرسمي يعتبر مثالاً لهذا الاضطراب والهشاشة السياسية .
غياب 28 عاماً
وقال سفراء معاشيون لـ(الانتباهة) ان حيدر بدوي غاب عن وزارة الخارجية 28 سنه طيلة هذه الفترة لم يمارس اي عمل دبلوماسي واسند اليه منصب سفير درجة اولى وفي ذات اليوم الذي وصل فيه الوزارة تم تعيينه متحدثاً رسمياً، واشاروا الى ان لهذه المهمة مواصفات محددة ومن يتولاها يجب ان يدرك ويستوعب ابعاد العمل وطريقة المؤسسة وطريقة اتخاذ القرار والتراتبية الهرمية في القيادة وما الى ذلك، واضافوا «للاسف تم تعيينه دون ان ينال التدريب الكافي وهذه نتيجة طبيعية» .
دافع سياسي
وواصل السفراء حديثهم ان من كانوا يتابعون تصريحات الخارجية وبياناتها في الفترة الاخيرة يدركون منذ وقت ان هناك خللاً ما في الطريقة التي يتعامل بها المتحدث، واوضحوا ان الوزير المكلف يتحمل المسؤولية الادبية والسياسية لما تم والوزيرة السابقة تتحمل مسؤولية تعيين حيدر بدوي متحدثاً رسمياً دون اي مؤهلات او خبرات كافية، ولفتوا الى ان الدافع السياسي هو الذي اتى به لهذا المنصب .
تمكين مضاد
وعليه انتقد كثيرون هذا التخبط وقالوا كان يمكن معالجة خطأ المتحدث بصورة افضل من ذلك، واشاروا الى ان المعالجة التي تمت بعد ذلك افتقدت الحصافة والحكمة والخبرة اللازمة .
ومس انتقادهم الوزير المكلف، وقالوا «واضح ان الوزير المكلف ليس لديه الخبرة الكافية لادارة مؤسسة كبيرة مثل الخارجية لضبط ايقاع التصريحات بدليل الخطأ الذي صاحب هذا التصريح بان يقوم المتحدث بعقد مؤتمر صحفي ويتحدث بصفته الشخصية فيه وهو المتحدث باسم الوزارة ويقدم مبررات زادت الطين بلة» على حد وصفهم، ولفتوا الى ان هناك ازمة قيادة في الخارجية ووصفوا الضبط المؤسسي بالضعيف، وزادوا هذه حالة طبيعية للتمكين المضاد .
انتهاك وظيفي
وحمّل خبراء في العمل الدبلوماسي المسؤولية الاولى للوزير ويليه الوكيل ثم مساعد الوكيل للشؤون السياسية، واوضحوا ان مهام المتحدث الرسمي تتعلق بالتعبير عن المواقف الرسمية للدولة في شكل تصريحات او بيانات ولا يحق له التصرف بمفرده او ان يقول رأيه الشخصي، وشددوا على ان اكبر انتهاك للوصف الوظيفي لهذا المنصب انه تحدث بصفته الشخصية في قضية تعتبر حيوية، وقالوا يبدو ان توجيهات الوزير لم تكن واضحة لان اي وزير خارجية لديه توجيهات واضحة في عدد من القضايا الحيوية التي تمس الامن القومي السوداني التي تعتبر جوهرية ويحظر فيها التصريح الا باذنه اوالرجوع اليه.
إضعاف المنصب
ويقول الخبراء ان المتحدث الرسمي يختار من درجة وظيفية كبيرة وان تكون لديه القدرة على التعبير وتقدير المواقف ويؤخذ حديثه مأخذ الجد في كل العالم، واضافوا لكن الان المنصب تم اضعافه
واوضحوا ان الضعف ساد الوزارة منذ تولي الوزيرة السابقة قيادة الوزارة لضعف ادائها، لانها لم تكن تحسن التعبير عن نفسها او مواقفها او سياساتها واعتبروا ان ما تم شيء طبيعي مواصلة للضعف والهشاشة والتدهور في الاداء المؤسسي .
من أتى به؟
تساءل الكثيرون من اين اتى هذا الرجل وما هي مؤهلاته ولماذا عين في هذا المنصب المهم؟.
ولكن بحسب متابعات (الانتباهة) فان الرجل كان مبتعثاً من قبل وزارة الخارجية الى الخارج لدراسة الماجستير واكمل الدكتوراه ولم يعد الى الخارجية.
وبحسب معلومات الصحيفة لم يتم فصله تعسفياً من قبل النظام السابق ولكن تمت اعادته الى الخارجية ضمن كشف المفصولين تعسفياً برغبة من مدير الشؤون المالية والادارية بوزارة الخارجية وقتها السفير عبدالمنعم البيتي لانتماء الرجلين للحزب الجمهوري.
نقل وليس إقالة
وعليه بعد هذا الجدل الذي دار بشأن الرجل وموجة الغضب التي سادت لحظة حالة الاضطراب توقع كثيرون ان تتم اقالة الرجل من وزارة الخارجية، ولكن تفاجأ الكثيرون بانه تم اعفاء الرجل فقط من منصب المتحدث الرسمي وتم نقله الى الادارة العامة للتخطيط والبحوث والدراسات وهي معنية برصد تقارير الوزارة والرد على الاسئلة والمطلوبات التي تلي الوزارة في الاداء العام وليس لها صلة بالملفات السياسية اليومية التي تعالجها الوزارة .
الانتباهة